للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الشُّرُوعَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ هَذَا الْمَعْنَى فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَضَى وَقْتُ الْمَسْحِ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ قَدْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهُ عَنْ الْقِدَمِ حَقِيقَةً، لَكِنْ الشَّرْعُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْحَدَثِ فِيمَا أَدَّى مِنْ الصَّلَاةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَالْتَحَقَ الْمَانِعُ بِالْعَدَمِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ.

وَلَا حَرَجَ فِيمَا لَمْ يُؤَدَّ فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا سَقَطَ خُفُّهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ، وَمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ، وَكَذَا الْمُصَلِّي إذَا كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لِيَغْسِلَهُ فَوُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ إنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا لِمَا قُلْنَا مِنْ الْجُرْحِ، وَلَا حَرَجَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْعَارِي إذَا وَجَدَ ثَوْبًا، وَالْمُومِئُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْأُمِّيُّ إذَا تَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَالْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ فَرْضٌ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَالسُّقُوطُ عَنْ هَؤُلَاءِ لِلْعَجْزِ وَقَدْ زَالَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ الْكُلِّ كَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ عِنْدَ حُدُوثِ الْقُدْرَةِ لَكِنْ سَقَطَ؛ لِأَجْلِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ فِي حَقِّ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا هِيَ لَيْسَتْ نَظِيرَ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ ثَمَّةَ أَصْلًا وَهَهُنَا حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ التَّرْتِيبِ إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ أَدَّى الْوَقْتِيَّةَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ الْكُلِّ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلْحَرَجِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِمَّا يَكْثُرُ وُجُودُهُ، وَلَا حَرَجَ فِي حَقِّ هَذِهِ الصَّلَاةِ.

وَعَلَى هَذَا الْمُصَلِّي إذَا سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْ يَدِهِ عَنْ بُرْءٍ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَادِرِ، وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ لِلْعَجْزِ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ مَا مَضَى بَعْدَ الْبُرْءِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلْحَرَجِ، وَفِيهِ هَذِهِ الصَّلَاة لَا حَرَجَ.

وَأَمَّا قَاضِي الْفَجْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ كَامِلٌ وَالْمُؤَدَّى فِي هَذَا الْوَقْتِ نَاقِصٌ؛ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَالْكَامِلُ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ فَلَا يَقَعُ قَضَاءً وَلَكِنَّهُ يَقَعُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ فِيهِ جَائِزٌ فَيَنْقَلِبُ تَطَوُّعًا وَعَلَى هَذَا مُصَلِّي الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ كَامِلًا، لِأَنَّ الْوَقْتَ النَّاقِصَ قَلِيلٌ لَا يَتَّسِعُ لِلْأَدَاءِ فَلَا يَجِبُ نَاقِصًا بَلْ كَامِلًا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ النَّاقِصِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ فِيهِ صَارَ نَاقِصًا فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْوَقْتَ النَّاقِصَ مِمَّا يَتَّسِعُ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَيَجِبُ نَاقِصًا وَقَدْ أَدَّاهُ نَاقِصًا فَهُوَ الْفَرْقُ.

وَأَمَّا دُخُولُ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ: أَنَّ الظُّهْرَ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي كُلِّ يَوْمٍ عُرِفَ وُجُوبُهُ بِالدَّلَائِلِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ عَرَفْنَاهَا بِالنُّصُوصِ الْخَاصَّةِ غَيْرِ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى، وَالْوَقْتُ مِنْ شَرَائِطِهِ، فَمَتَى لَمْ يُوجَدْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَظِيرَ الْمَخْصُوصِ عَنْ الْأَصْلِ فَلَمْ يَجُزْ.

فَظَهَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الظُّهْرُ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْفَسَادَ لِوُجُودِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ؛ لِأَنَّهَا نَوَاقِضُ الصَّلَاةِ وَقَدْ صَادَفَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَأَوْجَبَ فَسَادَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ تَسْتَغْنِي الصَّلَاةُ عَنْهَا، فَكَانَ وُجُودُهَا وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ، فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَرَضَتْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ فَسَادَ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْأَصْلِيِّ، وَلَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَنَقُولُ: النَّبِيُّ ﷺ حَكَمَ بِتَمَامِ الصَّلَاةِ وَبِوُجُودِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ، تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَا كَانَتْ صَلَاةً إذْ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَمَعَ فَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهَا.

وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ مَخْصُوصَةٌ عَنْ هَذَا النَّصِّ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ النُّقْصَانِ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَخْصُوصَةٌ عَنْ هَذَا النَّصِّ بِالدَّلَائِلِ الْمُطْلَقَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مَا مَرَّ، هَذَا إذَا وَجَدَ فِي الصَّلَاةِ مَاءً مُطْلَقًا.

، فَإِنْ وَجَدَ سُؤْرَ حِمَارٍ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ، لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَشُرُوعُهُ فِي الصَّلَاةِ قَدْ صَحَّ فَلَا يَقْطَعُ بِالشَّكِّ، بَلْ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُطَهَّرًا فِي نَفْسِهِ مَا جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ مُطَهَّرٍ فِي نَفْسِهِ جَازَتْ بِهِ صَلَاتُهُ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْجَوَازِ فَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ احْتِيَاطًا.

وَإِنْ وَجَدَ نَبِيذَ التَّمْرِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ عَدَمِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ طَهُورًا أَصْلًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ، ثُمَّ يُعِيدُهَا كَمَا فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ،.

فَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>