للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصْفِهِ، فَجَرَى الْوَصْفُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ مَجْرَى الْأَصْلِ، وَلِهَذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُوجِبًا لِلتَّحَالُفِ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْوَصْفِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَذَا هَذَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَحَالَفَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي جِنْسِ الْمُسَمَّى بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى عَبْدٍ، فَقَالَتْ: عَلَى جَارِيَةٍ أَوْ قَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى كُرِّ شَعِيرٍ، فَقَالَتْ: عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ عَلَى ثِيَابٍ هَرَوِيَّةٍ أَوْ قَالَ: عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ.

وَقَالَتْ: عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ فِي نَوْعِهِ كَالتُّرْكِيِّ مَعَ الرُّومِيِّ، وَالدَّنَانِيرِ الْمِصْرِيَّةِ مَعَ الصُّورِيَّةِ أَوْ فِي صِفَتِهِ مِنْ الْجَوْدَةِ، وَالرَّدَاءَةِ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْنَيْنِ إلَّا الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ، وَالنَّوْعَيْنِ، وَالْمَوْصُوفَيْنِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّهُمَا، وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكِنَّهُمَا فِي بَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ يُقْضَى مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُقْضَى مِنْ جِنْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْلَكَ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ، فَيُقْضَى بِقَدْرِ قِيمَتِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا.

فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى طَعَامٍ بِعَيْنِهِ، فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ، فَقَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الطَّعَامِ بِشَرْطِ أَنَّهُ كُرٌّ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: تَزَوَّجْتَنِي عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنَّهُ كُرَّانِ، فَهِيَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْهُ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ بِشَرْطِ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ، فَقَالَتْ: بِشَرْطِ أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لَا يَتَحَالَفَانِ، وَلَا يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّعَامِ، وَالثَّوْبِ أَنَّ الْقَدْرَ فِي بَابِ الطَّعَامِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ؛ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَيْنٌ، وَذَاتُ حَقِيقَةٍ.

وَأَمَّا الشَّرْعُ، فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ.

فَأَمَّا الْقَدْرُ فِي بَابِ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّوْبِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْوَصْفِ، وَهُوَ صِفَةُ الْجَوْدَةِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ صِفَةَ الْجَوْدَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْجَوْدَةِ فِي الْعَيْنِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُوجِبُ فَوَاتُ بَعْضِهِ نُقْصَانًا فِي الْبَقِيَّةِ، فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الصِّفَةِ، وَمَا لَا يُوجِبُ فَوَاتُ بَعْضِهِ نُقْصَانًا فِي الْبَاقِي لَا يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى الصِّفَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ، وَعَيْنِهِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ.

وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ، فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عَيْنُهَا؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْجَارِيَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَمْلِيكِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا مِنْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ بِتَمْلِيكِهَا، فَتَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ، فَيُقْضَى بِقِيمَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، فَقَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ.

وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مِثْلَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَهَا الْمِائَةُ دِينَارٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُقْضَى مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرَاضِي بِخِلَافِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُقْضَى مِنْ جِنْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْلَكَ مِنْ غَيْرِ مُرَاضَاةٍ، وَلَا يَكُونُ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهَذَا الْقَدْرِ، وَمَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ أَيْ مِنْ الْعَيْنِ قَوْلَ الزَّوْجِ، فَهَلَكَ، فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَالِاخْتِلَافُ إذَا وَقَعَ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ.

وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ، فَالْجَوَابُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ مِمَّا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا، فَاخْتَلَفَا فِي الْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَيُتَنَصَّفُ مَا يَقُولُ الزَّوْجُ كَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَلَمْ يُذْكَرْ الِاخْتِلَافُ كَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُتَنَصَّفُ مَا يَقُولُ الزَّوْجُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ.

وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَحَكَى الْإِجْمَاعَ، فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>