للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاوَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ.

وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْوَاوَ تُجْعَلُ زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ﴾ [الأنبياء: ٩٦] إلَى قَوْلِهِ ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ﴾ [الأنبياء: ٩٧] قِيلَ مَعْنَاهُ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ وَالْوَاوُ زِيَادَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ اقْتَرَبَ جَوَابُ حَتَّى إذَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَمْ تَجِئْ زَائِدَةً فِي مَوْضِعٍ تَصْلُحُ لِلْعَطْفِ أَوْ لِلتَّحْقِيقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ هَهُنَا زَائِدَةً عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ كَثِيرًا مِنْ مُحَقِّقِي أَهْلِ اللُّغَةِ جَعَلَ الْوَاوَ زَائِدَةً فِي مَوْضِعٍ مَا وَكَانُوا يَقُولُونَ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ عِنْدَهُمْ حَتَّى إذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فُتِحَتْ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ فَكَانَتْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى الْجَوَابِ الْمُضْمَرِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ، لَا رِوَايَةَ لِهَذَا، قَالُوا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَطْلُقُ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْفَاءَ صَارَتْ فَاصِلَةً لِأَنَّهَا كَانَتْ لَغْوًا وَاللَّغْوُ مِنْ الْكَلَامِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْفَاءَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهَا فِي الْجُمْلَةِ حَرْفُ تَعْلِيقً فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مَانِعَةً مِنْ التَّعْلِيقِ مُوجِبَةً لِلِانْفِصَالِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلًا هَلْ يَتَعَلَّقُ أَمْ لَا؟ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقَعُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَرْفَ الشَّرْطِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّطْلِيقَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ وَالتَّعْلِيقَ - وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ -.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي مَكَّةَ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كَلِمَةَ فِي مَكَّةَ ظَرْفٌ فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَا يَصْلُحُ ظَرْفًا تَجْرِي عَلَى حَقِيقَتِهَا وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا تُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الظَّرْفِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ، ثُمَّ الظَّرْفُ نَوْعَانِ ظَرْفُ زَمَانٍ وَظَرْفُ مَكَان فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَكَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي مَكَّةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ فِي الدَّارِ وَلَا فِي مَكَّةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان فَإِذَا وَقَعَ فِي مَكَان وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الزَّمَانِ فَإِنْ كَانَ مَاضِيًا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْأَمْسِ أَوْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي لِأَنَّ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ فَيُجْعَلُ إخْبَارًا أَوْ تَلْغُو الْإِضَافَةُ إلَى الْمَاضِي وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَا يَقَعُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ أَوْ فِي الشَّهْرِ الْآتِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَإِذَا جُعِلَ الْغَدُ ظَرْفًا لَهُ لَا يَقَعُ قَبْلَهُ.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِكِ الدَّارَ أَوْ فِي قِيَامِكِ أَوْ فِي قُعُودِكِ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا فَتُحْمَلُ الْكَلِمَةُ عَلَى الشَّرْطِ مَجَازًا.

وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَهَابِكِ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ الذَّهَابَ فِعْلٌ وَكَذَا إذَا قَالَ بِذَهَابِكِ لِأَنَّ الْبَاءَ حَرْفُ إلْصَاقٍ فَيَقْتَضِي إلْصَاقَ الطَّلَاقِ بِالذَّهَابِ وَذَلِكَ بِتَعْلِيقِهِ بِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ وَهِيَ فِي الظِّلِّ كَانَتْ طَالِقًا لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ وَلَا شَرْطًا لَهُ.

فَإِمَّا أَنْ تَلْغُوَ وَيُرَادَ بِهَا مَكَانُ الشَّمْسِ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي صَوْمِكِ كَانَتْ طَالِقًا حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ إذَا نَوَتْ الصَّوْمَ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِعْلٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَتُجْعَلُ الْكَلِمَةُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ، وَالْفِعْلُ يَصْلُحُ شَرْطًا فَإِذَا وُجِدَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ مَعَ النِّيَّةِ فِي وَقْتِهِ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَرْكَعَ وَتَسْجُدَ سَجْدَةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ أَيْضًا فَلَا تَصْلُحُ ظَرْفًا كَالصَّوْمِ إلَّا أَنَّهَا اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُتَرَكِّبُ مِنْ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا كَالْأَبْلَقِ الْمُتَرَكِّبِ مِنْ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالسَّكَنْجَبِينِ الْمُتَرَكِّبِ عَنْ السُّكَّرِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا لَمْ تُوجَدْ الْأَفْعَالُ الَّتِي وَصَفْنَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مُتَّفِقَةِ الْأَجْزَاءِ وَهِيَ الْإِمْسَاكَاتُ، وَمَا تَرَكَّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَّفِقَةٍ مُتَجَانِسَةٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ كُلِّهِ عَلَى بَعْضِهِ لُغَةً كَاسْمِ الْمَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ يَنْطَلِقُ عَلَى قَطْرَةٍ مِنْهُ فَكَانَ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إمْسَاكًا حَقِيقَةً فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِكِ أَوْ فِي طُهْرِكِ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَقْتُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكُونِينَ حَائِضًا أَوْ طَاهِرَةً فِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>