للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُنْغَمِسَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ كَالْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَنْغَمِسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ، أَوْ لِلتَّبَرُّدِ، أَوْ لِلِاغْتِسَالِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمَانِ: حُكْمُ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْبِئْرِ، وَحُكْمُ الدَّاخِلِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا - وَانْغَمَسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ - لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْحَدَثِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ انْغَمَسَ فِيهَا لِلِاغْتِسَالِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِوُجُودِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِانْعِدَامِ إزَالَةِ الْحَدَثِ، وَالرَّجُلُ طَاهِرٌ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ لَا فَانْغَمَسَ فِي ثَلَاثَةِ آبَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَاهِرًا بِالْإِجْمَاعِ، وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالْمِيَاهُ الثَّلَاثَةُ نَجِسَةٌ لَكِنَّ نَجَاسَتَهَا عَلَى التَّفَاوُتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمِيَاهُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ، وَالرَّجُلُ نَجِسٌ سَوَاءٌ انْغَمَسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ أَوْ التَّبَرُّدِ أَوْ الِاغْتِسَالِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ انْغَمَسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ أَوْ التَّبَرُّدِ فَالْمِيَاهُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا، وَإِنْ كَانَ الِانْغِمَاسُ لِلِاغْتِسَالِ فَالْمَاءُ الرَّابِعُ فَصَاعِدًا مُسْتَعْمَلٌ؛ لِوُجُودِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى يَدِهِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَقَطْ فَإِنْ أَدْخَلَهَا لِطَلَبِ الدَّلْوِ أَوْ التَّبَرُّدِ يَخْرُجُ مِنْ الْأُولَى طَاهِرًا، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِزَوَالِ الْجَنَابَةِ بِالِانْغِمَاسِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ نَجِسٌ وَلَا يَخْرُجُ طَاهِرًا أَبَدًا.

وَأَمَّا حُكْمُ الْمِيَاهِ: فَالْمَاءُ الْأَوَّلُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِوُجُودِ إزَالَةِ الْحَدَثِ، وَالْبَوَاقِي عَلَى حَالِهَا؛ لِانْعِدَامِ مَا يُوجِبُ الِاسْتِعْمَالَ أَصْلًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْمِيَاهُ كُلُّهَا عَلَى حَالِهَا، أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِدْ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَدْ تَرَكَ أَصْلَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ عَلَى مَا يَذْكُرُ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْهُ أَنَّ الْمِيَاهَ كُلَّهَا نَجِسَةٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَطْهُرُ النَّجَسُ بِوُرُودِهِ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ، كَمَا يَطْهُرُ بِوُرُودِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِالصَّبِّ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا عَلَى الْبَدَنِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، غَيْرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَزُولُ إلَّا بِالْمُلَاقَاةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْحُكْمِيَّةُ تَزُولُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَطْهُرُ النَّجَسُ عَنْ الْبَدَنِ بِوُرُودِهِ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ الرَّاكِدِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَهُ فِي الثَّوْبِ قَوْلَانِ، أَمَّا الْكَلَامُ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الطَّرَفَيْنِ فَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّطْهِيرُ، وَأَمَّا النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَالْكَلَامُ فِيهَا عَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ مُلَاقَاةَ أَوَّلِ عُضْوِ الْمُحْدِثِ الْمَاءَ يُوجِبُ صَيْرُورَتَهُ مُسْتَعْمَلًا، فَكَذَا مُلَاقَاةُ أَوَّلِ عُضْوِ الطَّاهِرِ الْمَاءَ عَلَى قَصْدِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِذَا صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ لَا تَتَحَقَّقُ طَهَارَةُ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْأَصْلِ، إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لِاغْتِرَافِ الْمَاءِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَا يَزُولُ الْحَدَثُ إلَى الْمَاءِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَهَهُنَا ضَرُورَةٌ؛ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى إخْرَاجِ الدِّلَاءِ مِنْ الْآبَارِ فَتُرِكَ أَصْلُهُ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَوْ صَارَ مُسْتَعْمَلًا إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ، وَلَوْ أَزَالَ الْحَدَثَ لَتَنَجَّسَ، وَلَوْ تَنَجَّسَ لَا يُزِيلُ الْحَدَثَ، وَإِذَا لَمْ يَزُلْ الْحَدَثُ بَقِيَ طَاهِرًا، وَإِذَا بَقِيَ طَاهِرًا يُزِيلُ الْحَدَثَ فَيَقَعُ الدَّوْرُ فَقَطَعْنَا الدَّوْرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَقُلْنَا: إنَّهُ لَا يُزِيلُ الْحَدَثَ عَنْهُ، فَبَقِيَ هُوَ بِحَالِهِ، وَالْمَاءُ عَلَى حَالِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولَانِ: إنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ بِوُرُودِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، فَكَذَا بِوُرُودِهَا عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِوَاسِطَةِ الِاتِّصَالِ وَالْمُلَاقَاةِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجَسِ مَوْجُودَةٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَلِهَذَا يَنْجَسُ الْمَاءُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، إلَّا أَنَّ حَالَةَ الِاتِّصَالِ لَا يُعْطَى لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ، وَالِاسْتِعْمَالُ لِضَرُورَةِ إمْكَانِ التَّطْهِيرِ، وَالضَّرُورَةُ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الصَّبِّ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَامْتَنَعَ ظُهُورُ حُكْمِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَيَظْهَرُ حُكْمُهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَدْخَلَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ أَوْ جَبِيرَتَهُ فِي الْإِنَاءِ وَهُوَ مُحْدِثٌ، قَالَ أَبُو يُوسُفُ: يُجْزِئُهُ فِي الْمَسْحِ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِوُجُودِ أَحَدِ سَبَبَيْ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنَّمَا كَانَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ يَتَأَدَّى بِإِصَابَةِ الْبَلَّةِ إذْ هُوَ اسْمٌ لِلْإِصَابَةِ دُونَ الْإِسَالَةِ، فَلَمْ يَزُلْ شَيْءٌ مِنْ الْحَدَثِ إلَى الْمَاءِ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ، وَإِنَّمَا زَالَ إلَى الْبَلَّةِ، وَكَذَا إقَامَةُ الْقُرْبَةِ تَحْصُلُ بِهَا فَاقْتَصَرَ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يَنْوِ الْمَسْحَ يُجْزِئُهُ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ فَقَدْ مَسَحَ بِمَاءٍ غَيْرِ مُسْتَعْمَلٍ فَاجْزَأْهُ، وَإِنْ نَوَى الْمَسْحَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>