للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَيْمَانُ كُلُّهَا وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ خَرِسَ فَصَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ كَانَتْ أَيْمَانُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِسِرِّ فُلَانٍ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالتَّكَلُّمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْعُرْفِيَّ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَفْهُومٍ وَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي الْإِشَارَةِ وَالْخَبَرِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِظْهَارِ مِنْ الْأَخْرَسِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ فَيَحْنَثُ بِهِمَا وَكُلُّ شَيْءٍ حَنِثَ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْإِشَارَةِ فَقَالَ أَشَرْتُ وَأَنَا لَا أُرِيدُ الَّذِي حَلَفْتُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ جَوَابًا بِالشَّيْءِ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِيهَا احْتِمَالٌ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَلَالَةُ حَالٍ زَالَ الِاحْتِمَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعْ إلَى نِيَّتِهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقُولُ كَذَا لِفُلَانٍ فَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْخَبَرِ وَالْبِشَارَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقُولُ لِفُلَانٍ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَقَالَ قُلْ لِفُلَانٍ يَقُولُ لَكَ فُلَانٌ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَإِنَّهُ حَانِثٌ.

قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَائِلَ هُوَ الْمُرْسِلُ وَأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ لِفُلَانٍ؟ وَلَوْ كَانَ هُوَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ ﷿ لَنَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ كَذَا؟ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا بِهَذَا الْأَمْرِ فَهَذَا عَلَى الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ لَا يَحْنَثُ بِكِتَابٍ وَلَا رَسُولٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَا تَقُولُ كَلَّمَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - بِكَذَا؟ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَهُوَ عَلَى الْمُشَافَهَةِ لِأَنَّ مَا سِوَى الْكَلَامِ لَيْسَ بِحَدِيثٍ.

وَلَوْ قَالَ أَيُّ عَبِيدِي يُبَشِّرُنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرُوهُ جَمِيعًا عَتَقُوا لِوُجُودِ الْبِشَارَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوُجُودِ حَدِّ الْبِشَارَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ بَشَّرَهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ يَعْتِقْ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَشِّرٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْبِرٌ.

أَلَا تَرَى أَنَّ خَبَرَ الثَّانِي لَا يُؤَثِّرُ فِي وَجْهِ الْمُخْبَرِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ﵄ فَقَالَ ﵁: بَشَّرَنِي بِهِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ أَخْبَرَنِي بِهِ عُمَرُ ﵄، فَإِنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ أَحَدُهُمْ رَسُولًا فَإِنْ أَضَافَ الرَّسُولُ الْخَبَرَ إلَى الْمُرْسِلِ فَقَالَ إنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا يُخْبِرُكَ بِكَذَا عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ الْمُبَشِّرُ، وَإِنْ أَخْبَرَ الرَّسُولُ وَلَمْ يُضِفْ ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ مِنْهُ لَا مِنْ الْمُرْسِلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ إلَى فُلَانٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَكَتَبَ فَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلَنِي هَارُونُ الرَّشِيدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - أَصْلَحَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا فَقُلْتُ: إنْ كَانَ سُلْطَانًا يَأْمُرُ بِالْكِتَابِ وَلَا يَكَادُ هُوَ يَكْتُبُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إذًا كَانَ لَا يُبَاشِرُ الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ عَادَةً بَلْ يَسْتَكْتِبُ غَيْرَهُ فَيَمِينُهُ تَقَعُ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ.

قَالَ هِشَامٌ: قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَمَا تَقُولُ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ لِفُلَانٍ كِتَابًا فَنَظَرَ فِي كِتَابِهِ حَتَّى أَتَى آخِرَهُ وَفَهِمَهُ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ؟ قَالَ: سَأَلَ هَارُونُ أَبَا يُوسُفَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَقَالَ لَا يَحْنَثُ، وَلَا أَرَى أَنَا ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ وَدَاوُد بْنُ رَشِيدٍ وَابْنُ رُسْتُمَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ، فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ حَقِيقَةً إذْ الْقِرَاءَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْحُرُوفِ وَلَمْ يُوجَدْ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ الْقَادِرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ بِالْحُرُوفِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ.

وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَنَظَرَ فِيهَا وَفَهِمَهَا وَلَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ، وَمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وَقَفَ عَلَى مَا فِيهِ فَيَحْنَثُ.

قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا قَرَأَ الْكِتَابَ إلَّا سَطْرًا قَالَ كَأَنَّهُ قَرَأَهُ، قُلْتُ: فَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهُ قَالَ لَا يَعْنِي لَمْ يَقْرَأْهُ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا قَرَأَ بَعْضَهُ فَإِنْ أَتَى عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَكَأَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْكِتَابِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً فَتَرَكَ مِنْهَا حَرْفًا حَنِثَ، وَإِنْ تَرَكَ آيَةً طَوِيلَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُسَمَّى قَارِئًا لِلسُّورَةِ مَعَ تَرْكِ حَرْفٍ مِنْهَا وَلَا يُسَمَّى مَعَ تَرْكِ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ.

وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُبْلِغُكَ مِثْلُ لَا أُخْبِرُكَ، وَكَذَلِكَ أُذَكِّرُكَ بِشَيْءٍ أَوْ لَا أُذَكِّرُكَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْكِتَابِ،.

فَأَمَّا الذِّكْرُ وَالْإِخْبَارُ وَالْإِعْلَامُ وَالْإِبْلَاغُ عَلَى الْكِتَابِ وَالْقَوْلِ وَالْكَلَامُ عَلَى الْكِتَابِ أَيْضًا قَالَ عُمَرُ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَتَمَثَّلُ بِشِعْرٍ فَتَمَثَّلَ بِنِصْفِ بَيْتٍ قَالَ: لَا يَحْنَثُ.

قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْبَيْتِ مِنْ شِعْرِ آخَرَ؟ قَالَ لَا أَدْرِي مَا هَذَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشِّعْرَ مَا ظَهَرَ فِيهِ النَّظْمُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي بَيْتٍ.

قَالَ: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ فَارِسِيٍّ حَلَفَ أَنْ يَقْرَأَ (الْحَمْدُ) بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَرَأَهَا فَلَحَنَ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ فَصِيحٌ أَنْ يَقْرَأَ (الْحَمْدُ) بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَرَأَهَا فَلَحَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>