للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ مِنْهُ شَيْئًا أَدْخَلَهُ فَاهُ وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا عَلَى الذَّوْقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ كَلَامٌ قُلْت فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَغَدَّ عِنْدِي الْيَوْمَ فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِهِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا عَلَى الْأَكْلِ لَيْسَ عَلَى الذَّوْقِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الذَّوْقِ هِيَ اكْتِسَاب سَبَبِ الْعِلْمِ بِالْمَذُوقِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ دَلَالَةُ حَالٍ خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ حُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَإِلَّا عَمِلْت بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ لِلصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِطَعْمِ الْمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى ذَوْقًا عُرْفًا وَعَادَةً إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ لَا مَعْرِفَةُ طَعْمِ الْمَذُوقِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا أَوْ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا أَوْ لَا يَذُوقُ وَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ أَوْ شَرَابًا دُونَ شَرَابٍ.

فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْوِيَ تَحْصِيص مَا هُوَ مَذْكُورٌ وَإِمَّا أَنْ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فَإِنْ نَوَى تَخْصِيصَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظًا عَامًّا وَأَرَادَ بِهِ بَعْضَ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِالْعَامِّ عَلَى إرَادَةِ الْخَاصِّ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى الْعُمُومِ وَالظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ دَلَالَةً عَلَى الْعُمُومِ فِي اللُّغَةِ إرَادَةُ الْعُمُومِ فَكَانَ نِيَّةُ الْخُصُوصِ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ لَا يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ سَوَاءٌ كَانَ التَّخْصِيصُ رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ أَوْ إلَى الصِّفَةِ أَوْ إلَى الْحَالِ لِأَنَّ الْخُصُوصَ وَالْعُمُومَ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي فَغَيْرُ الْمَلْفُوظِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْمِيمَ وَالتَّخْصِيصَ وَالتَّقْيِيدَ فَإِذَا نَوَى التَّخْصِيصَ فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ رَأْسًا وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتُخَرَّجُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ إذَا قَالَ إنْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا أَوْ إنْ ذُقْت طَعَامًا أَوْ شَرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ عَنَيْت اللَّحْمَ أَوْ الْخُبْزَ فَأَكَلَ غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي مَوْضِعِ الْعُمُومِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ أَكَلْت طَعَامًا بِمَعْنَى قَوْلِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا فَيَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ كُلَّ طَعَامٍ فَإِذَا نَوَى بِهِ بَعْضَ الْأَطْعِمَةِ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ وَإِنْ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ ذُقْت أَوْ شَرِبْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَهُوَ يَنْوِي طَعَامًا بِعَيْنِهِ أَوْ شَرَابًا بِعَيْنِهِ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ غَيْرَهُ فَإِنَّ عَبْدَهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ إذْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لَيْسَا بِمَذْكُورَيْنِ بَلْ يَثْبُتَانِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ وَيَزْعُمُ أَنَّ لِلْمُقْتَضَى عُمُومًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ مِنْ صِفَاتِ الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَحْتَمِلُ الصِّفَةَ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يُجْعَلُ مَوْجُودًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ لِصِحَّةِ الْكَلَامِ فَيُبْقِي فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى حُكْمِ الْعَدَمِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ الرَّاجِعُ إلَى الصِّفَةِ وَالْحَالِ فَنَحْوُ مَا حَكَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَهُوَ قَائِمٌ وَعَنَى بِهِ وَمَا دَامَ قَائِمًا لَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْقِيَامِ كَانَتْ نِيَّتُهُ بَاطِلَةً وَحَنِثَ إنْ كَلَّمَهُ لِأَنَّ الْحَالَ وَالصِّفَةَ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْقَائِمَ يُعْنَى بِهِ مَا دَامَ قَائِمًا وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِوُرُودِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْمَلْفُوظِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا خَمْسِينَ وَهُوَ يَنْوِي بِسَوْطٍ بِعَيْنِهِ فَبِأَيِّ سَوْطٍ ضَرَبَهُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ يَمِينِهِ وَالنِّيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ آلَةَ الضَّرْبِ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَبَطَلَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَنَظِيرُ هَذَا مَا حَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ، وَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَهُوَ يَنْوِي كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا نِيَّةٌ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ وَلَا فِي الْقَضَاءِ.

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَعْنِي امْرَأَةً كَانَ أَبُوهَا يَعْمَلُ كَذَا وَكَذَا فَهَذَا كُلُّهُ لَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَعْنِي امْرَأَةً عَرَبِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً قَالَ هَذَا جَائِزٌ يَدِينُ فِيمَا نَوَاهُ فَقَدْ جَعَلَ قَوْلَهُ عَرَبِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً بَيَانَ النَّوْعِ وَقَوْلَهُ كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً وَصْفًا فَجَوَّزَ تَخْصِيصَ النَّوْعِ وَلَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ وَالْجِنْسُ مَذْكُورٌ وَهُوَ قَوْلُهُ امْرَأَةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ لِاشْتِمَالِ اسْمِ الْجِنْسِ عَلَى الْأَنْوَاعِ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَنْوِي امْرَأَةً بِعَيْنِهَا قَالَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>