للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّطْلِيقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " وَنَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَيَقَعُ الثَّلَاثُ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَتَتَفَرَّقُ عَلَى الْأَطْهَارِ.

وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَتَبْطُلُ نِيَّتُهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " إيقَاعُ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لِأَنَّهَا هِيَ التَّطْلِيقَاتُ الْمُخْتَصَّةُ بِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ "، وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَنَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ كَذَا هَذَا (وَلَنَا) أَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْحَظْرُ وَالْحُرْمَةُ فِي غَيْرِهِ لِمَا تَبَيَّنَ فَكَانَ كُلُّ طَلَاقٍ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ سُنَّةً، فَكَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ فِي الْحَالِ إيقَاعًا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا لَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الْبِدْعَةِ بِمُلَازَمَةِ الْحَرَامِ إيَّاهُ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِذَا نَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ نَوْعَانِ: سُنَّةُ إيقَاعٍ وَسُنَّةُ وُقُوعٍ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لِمَا تَبَيَّنَ فَإِذَا نَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ فَقَدْ نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْ السُّنَّةِ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُحْتَمِلَةً لِمَا نَوَى فَصَحَّتْ وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَقَالَ لَهَا: " أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ " وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ لِلْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَكَذَا فِي الْحَامِلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ السُّنَّةِ.

(وَأَمَّا) الدَّلَالَةُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْعِدَّةِ أَوْ طَلَاقَ الْعَدْلِ أَوْ طَلَاقَ الدِّينِ أَوْ طَلَاقَ الْإِسْلَامِ أَوْ طَلَاقَ الْحَقِّ أَوْ طَلَاقَ الْقُرْآنِ أَوْ طَلَاقَ الْكِتَابِ أَمَّا طَلَاقُ الْعِدَّةِ فَلِأَنَّهُ الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لِقَوْلِهِ ﷿: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] ، وَطَلَاقُ الْعَدْلِ هُوَ الْمَائِلُ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ لِأَنَّ الْعَدْلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الِاسْمُ فِي اللُّغَةِ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى مُطْلَقِ الْمَيْلِ كَاسْمِ الْجَوْرِ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَيْلِ مِنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ وَإِنْ وُضِعَ فِي اللُّغَةِ دَلَالَةً عَلَى مُطْلَقِ الْمَيْلِ وَالطَّلَاقُ الْمَائِلُ مِنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَطَلَاقُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ وَالْكِتَابِ هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الدِّينُ وَالْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَالْكِتَابُ وَهُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الْحَقِّ هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الدِّينُ إلَى الْحَقِّ وَذَلِكَ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ، أَوْ أَجْمَلَ الطَّلَاقِ، أَوْ أَعْدَلَ الطَّلَاقِ " لِأَنَّهُ أَدْخَلَ أَلِفَ التَّفْضِيلِ وَأَضَافَ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ الْوَاقِعَ عَلَى الْحُسْنِ فَيَقْتَضِي وُقُوعَ طَلَاقٍ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ بِالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالْعَدَالَةِ كَمَا إذَا قِيلَ: " فُلَانٌ أَعْلَمُ النَّاس " يُوجِبُ هَذَا مَزِيَّةً لَهُ عَلَى جَمِيعِ طَبَقَاتِ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً أَوْ جَمِيلَةً يَقَعُ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً عَدْلَةٌ أَوْ عَدْلِيَّةً أَوْ عَادِلَةً أَوْ سُنِّيَّةً يَقَعُ لِلسُّنَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ " لِلسُّنَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً أَوْ جَمِيلَةً ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْحَالِ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ غَيْرَ حَائِضٍ جَامَعَهَا فِي طُهْرِهَا أَوْ لَمْ يُجَامِعْهَا وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً أَوْ جَمِيلَةً وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ قَوْلَهُ: " أَنْتِ طَالِقٌ " تَطْلِيقَةً سُنِّيَّةً، وَصَفَ التَّطْلِيقَةَ بِكَوْنِهَا سُنِّيَّةً، وَالطَّلَاقُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ فَهُوَ سُنِّيٌّ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ وَبِاقْتِرَانِ الْفَسْخِ بِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي ذَاتِهِ وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاتِّصَافِ بِكَوْنِهَا سُنِّيَّةً، وَلَا يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ يَقَعُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الْحَاصِلَةُ بِالثَّلَاثِ كَذَا هَهُنَا، وَلِهَذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ فِي قَوْلِهِ " حَسَنَةً " أَوْ " جَمِيلَةً " بِخِلَافِ قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ " لِلسُّنَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ إيقَاعُ تَطْلِيقَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّامَ الْأُولَى لِلِاخْتِصَاصِ كَمَا يُقَالُ: هَذَا اللِّجَامُ لِلْفَرَسِ، وَهَذَا الْإِكَافُ لِهَذِهِ الْبَغْلَةِ وَهَذَا الْقُفْلُ لِهَذَا الْبَابِ، وَاللَّامُ الثَّانِيَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَإِنْ كَانَتْ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَهُوَ جِنْسُ السُّنَّةِ اقْتَضَى صِفَةَ التَّمَحُّضِ لِلسُّنَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَشُوبَهَا بِدْعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ فَالسُّنَّةُ الْمَعْهُودَةُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ مَا لَا يَشُوبُهَا مَعْنَى الْبِدْعَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا إيقَاعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>