للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِنْسًا وَاحِدًا مِنْ الْأَجْنَاسِ، كَالضَّرْبِ يَكُونُ جِنْسًا وَاحِدًا مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْفِعْلِ.

وَكَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ عَلَى التَّقْسِيمِ تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِمَا نَذَرَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ وَنَوَى الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يُقَالُ: هَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ أَيْ: مَضْرُوبُهُ وَهَذَا عِلْمُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ مَعْلُومُهُ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَصْدَرِ لَلَغَا كَلَامُهُ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَعْنَى الْمَفْعُولِ لَصَحَّ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَصَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَتَّبِعُ الْمَذْكُورَ، وَالْمَذْكُورَ يُلَازِمُ الْجِنْسَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بِدُونِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ الطَّالِقُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ: أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يُعْرَفُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ،.

فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا، فَلَا يُتَبَيَّنُ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَلَاقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ.

وَحُكِيَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ … وَإِنْ تَخْرَقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ

فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ … ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرَقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ

فَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: إنْ قَالَ: وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ، وَصَارَ قَوْلُهُ: وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ ابْتِدَاءً وَخَبَرًا غَيْرَ مُتَعَلَّقٍ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ: وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ هِيَ فِي الْحَالِ تَفْسِيرُ الْمُوقَعَ فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ وَنَوَى الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَصْدَرَ وَعَرَّفَهُ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ فَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جِنْسِ الْمَشْرُوعِ مِنْ الطَّلَاقِ فِي هَذَا الْمِلْكِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامه فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِقَرِينَةٍ تَمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَا عَلَى التَّقْسِيمِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ صِيغَتُهُ صِيغَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ فِيهِ لَازِمًا، وَالِاثْنَانِ عَدَدٌ مَحْضٌ لَا تُوجَدُ فِيهِ بِوَجْهٍ فَلَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلتَّوْحِيدِ، وَإِنَّمَا احْتَمَلَ الثَّلَاثَ مِنْ حَيْثُ التَّوْحِيدُ؛ لِأَنَّهُ كُلُّ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الطَّلَاقِ فِي هَذَا الْمِلْكِ، وَكُلُّ الْجِنْسِ جِنْسٌ وَاحِدٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَأَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَرَّفَ الْمَصْدَرَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ الْمَوْضُوعَةِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ لَكِنَّهُ انْصَرَفَ إلَى الْوَاحِدِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً مَحْظُورٌ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَرْتَكِبَ الْمَحْظُورَ فَانْصَرَفَ إلَى الْوَاحِدِ بِقَرِينَةٍ وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ بَنِي آدَمَ أَنَّهُ إنْ نَوَى كُلَّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ لِدَلَالَةِ الْحَالِ كَذَا هَذَا، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَبِقَوْلِي: الطَّلَاقُ أَوْ طَلَاقًا أُخْرَى صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْلُحُ إيقَاعًا تَامًّا أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ طَلَاقٌ يَقَعُ أَيْضًا، فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَصِيرُ مَذْكُورًا فِي الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَصِّلِي طَلَاقًا، وَالْمَصْدَرُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ فَكَانَ مَعْنَى التَّوَحُّدِ فِيهِ مُنْعَدِمًا أَصْلًا وَرَأْسًا؛ فَلَا يَحْتَمِلُهُ صِيغَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ قَالَ لَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: قَدْ جَعَلْتُ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ الَّتِي أَوْقَعْتُهَا عَلَيْك ثَلَاثًا أَوْ قَالَ قَدْ جَعَلْتُهَا بَائِنًا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ فِيهِ قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ يَكُونُ ثَلَاثًا وَيَكُونُ بَائِنًا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَلَا بَائِنًا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ بَائِنًا وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ وُقُوعِهِ شَرْعًا بِصِفَةٍ لَا يُحْتَمَلُ التَّغْيِيرُ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَهُ يَكُونُ تَغْيِيرَ الشَّرْعِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً لَا تَصِيرُ وَاحِدَةً؟ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَجَعَلَهَا رَجْعِيَّةً لَا تَصِيرُ رَجْعِيَّةً لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّطْلِيقَةَ الرَّجْعِيَّةَ يُحْتَمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>