للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي - يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّهَا إذَا بَدَأَتْ فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي فَقَالَ الزَّوْجُ - مُجِيبًا لَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهَا: رَاجَعْتُكِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ رَاجَعْتُكِ وَقَعَ رَجْعَةً صَحِيحَةً لِقِيَامِ الْعِدَّةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ انْقَضَتْ عِدَّتِي إخْبَارًا عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا عِدَّةَ لِبُطْلَانِهَا بِالرَّجْعَةِ، فَلَا يُسْمَعُ، كَمَا لَوْ سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهَا " انْقَضَتْ عِدَّتِي " إنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى قَوْلِ الزَّوْجِ - لَا يُقْبَلْ مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا لَوْ أَسْنَدَتْ الْخَبَرَ عَنْ الِانْقِضَاءِ إلَيْهِ نَصًّا بِأَنْ قَالَتْ: كَانَتْ عِدَّتِي قَدْ انْقَضَتْ قَبْلَ رَجْعَتِكَ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي التَّأْخِيرِ فِي الْإِخْبَارِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي زَمَانٍ مُقَارِنٍ لِقَوْلِ الزَّوْجِ فَهَذَا نَادِرٌ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا.

، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَمِينَةٌ فِي إخْبَارِهَا عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ ائْتَمَنَهَا فِي هَذَا الْبَابِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [البقرة: ٢٢٨] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إنَّهُ الْحَيْضُ، وَالْحَبَلُ نَهَاهُنَّ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - عَنْ الْكِتْمَانِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْكِتْمَانِ أَمْرٌ بِالْإِظْهَارِ، إذْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِظْهَارِ أَمْرٌ بِالْقَبُولِ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْإِظْهَارِ فَلَزِمَ قَبُولُ قَوْلِهَا، وَخَبَرِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ قَبُولِ الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حِلُّهَا لِلْأَزْوَاجِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا انْقَضَتْ قَبْلَ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُكِ - فَقَوْلُهُ رَاجَعْتُكِ يَقَعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ انْقَضَتْ حَالَ قَوْلِهِ رَاجَعْتُكِ فَيَقَعُ حَالَ قَوْلِهِ رَاجَعْتُكِ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَمَا لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا تَصِحُّ حَالَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَالَ انْقِضَائِهَا مُنْقَضِيَةٌ فَكَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً لِمُنْقَضِيَةِ الْعِدَّةِ، فَلَا تَصِحُّ، فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا انْقَضَتْ حَالَ إخْبَارِهَا عَنْ الِانْقِضَاءِ، وَإِخْبَارُهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهِ رَاجَعْتُكِ فَكَانَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ضَرُورَةً فَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ فَالْجَوَابُ إذَا احْتَمَلَ مَا قُلْنَا وَاحْتَمَلَ مَا قُلْتُمْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ،، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ - لَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ، وَالِاحْتِمَالِ خُصُوصًا فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ جِهَةُ الْفَسَادِ آكَدَ، وَهَهُنَا جِهَةُ الْفَسَادِ آكَدُ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ، وَتَفْسُدُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُسْتَحْلَفُ، وَإِذَا نَكَلَتْ يُقْضَى بِالرَّجْعَةِ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِلنُّكُولِ، وَالنُّكُولُ بَدَلٌ عِنْدَهُ، وَالرَّجْعَةُ لَا تَحْتَمِلُ الْبَدَلَ لَكِنَّ الِاسْتِحْلَافَ قَدْ يَكُونُ لِلنُّكُولِ لِيُقْضَى بِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَا لِلنُّكُولِ بَلْ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ بِالْحَلِفِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ فِيمَا لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ أَصْلًا كَمَا فِي دَعْوَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ، وَالْمَرْأَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَمِينَةً لَكِنْ الْأَمِينُ قَدْ يُسْتَحْلَفُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ بِالْحَلِفِ فَإِذَا نَكَلَتْ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَبْقَ قَوْلُهَا حُجَّةً فَبَقِيَتْ الرَّجْعَةُ عَلَى حَالِهَا حُكْمًا لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ نُكُولُهَا بَدَلًا مَعَ مَا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَدَلِ هَهُنَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا بِالنُّكُولِ صَارَتْ مُتَّهَمَةً فَخَرَجَ قَوْلُهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلتُّهْمَةِ فَتَبْقَى الْعِدَّةُ، وَأَثَرُهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَالسُّكُونِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَقَطْ، ثُمَّ يُقْضَى بِالرَّجْعَةِ حُكْمًا لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا بِإِخْبَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَإِذَا نَكَلَتْ فَقَدْ بَدَّلَتْ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَالسُّكُونِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهَذَا مَعْنًى يَحْتَمِلُ الْبَدَلَ، وَمِنْهَا عَدَمُ شَرْطِ الْخِيَارِ حَتَّى لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِي الرَّجْعَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا اسْتِبْقَاءُ النِّكَاحِ، فَلَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَار كَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ أَحَدُ نَوْعَيْ رُكْنِ الرَّجْعَةِ -، وَهُوَ الْقَوْلُ - مِنْهُ لَا مِنْهَا حَتَّى لَوْ قَالَتْ لِلزَّوْجِ رَاجَعْتُك لَمْ يَصِحَّ لِقَوْلِهِ ﷾ ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] أَيْ: أَحَقُّ بِرَجْعَتِهِنَّ مِنْهُنَّ وَلَوْ كَانَتْ لَهَا وِلَايَةُ الرَّجْعَةِ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ أَحَقَّ بِالرَّجْعَةِ مِنْهَا، فَظَاهِرُ النَّصِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وِلَايَةُ الرَّجْعَةِ أَصْلًا إلَّا أَنَّ جَوَازَ الرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ مِنْهَا عَرَفْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا بَيَّنَّا.

وَأَمَّا رِضَا الْمَرْأَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الرَّجْعَةِ، وَكَذَا الْمَهْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الرِّضَا، وَالْمَهْرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الرِّضَا، وَالْمَهْرُ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ أَحَقَّ بِرَجْعَتِهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِدُونِ رِضَاهَا، وَالْمَهْرِ فَيُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي خَبَرِ اللَّهِ ﷿ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ شُرِعَتْ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ فَلَوْ شُرِطَ رِضَاهَا لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ؛ لِأَنَّهَا عَسَى لَا تَرْضَى، وَعَسَى لَا يَجِدُ الزَّوْجُ الْمَهْرَ، وَكَذَا كَوْنُ الزَّوْجِ طَائِعًا وَجَادًّا، وَعَامِدًا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الرَّجْعَةِ فَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَاللَّعِبِ وَالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِبْقَاءُ النِّكَاحِ، وَأَنَّهُ دُونَ الْإِنْشَاءِ وَلَمْ تُشْتَرَطْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>