للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُجَامِعَهَا.

وَأَمَّا الْإِنْزَالُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْإِحْلَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْجِمَاعَ غَايَةَ الْحُرْمَةِ،، وَالْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ هُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ انْتَهَتْ الْحُرْمَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يُجَامِعُ فَجَامَعَهَا أَوْ مَجْنُونًا فَجَامَعَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ زَوْجٍ، وَزَوْجٍ؛ وَلِأَنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ مِنْ الْمَهْرِ وَالتَّحْرِيمِ كَوَطْءِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] ؛ وَلِأَنَّ وَطْأَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنْ الْمَهْرِ، وَالتَّحْرِيمِ فَصَارَ كَوَطْءِ الْبَالِغَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي حُرًّا أَوْ عَبْدًا قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، وَدَخَلَ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ وَلِأَنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ تَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ هَؤُلَاءِ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ الْحُرِّ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَشْلُولًا يَنْتَشِرُ لَهُ، وَيُجَامِعُ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ هُوَ الْإِنْزَالُ، وَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ كَالْفَحْلِ إذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ.

وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْجِمَاعُ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ مِنْهُ السَّحْقُ، وَالْمُلَاصَقَةُ، وَالتَّحْلِيلُ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ، وَأَنَّهُ اسْمٌ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ حَمَلَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ وَوَلَدَتْ هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَكَانَتْ مُحْصَنَةً.

وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ.

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لَيْسَ بِوَطْءٍ حَقِيقَةً بَلْ يُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ حُكْمًا، وَالتَّحْلِيلُ يَتَعَلَّقُ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا كَالْخَلْوَةِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ الْحِلَّ، وَإِنْ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ حُكْمًا كَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ مَعَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ زَانِيَةً حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مَوْلُودًا عَلَى الْفِرَاشِ، وَالتَّحْلِيلُ لَا يَقَعُ بِالزِّنَا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْهُ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْأَصْلِ فَصَارَ كَالدُّخُولِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ كِتَابِيًّا نِكَاحًا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا وَدَخَلَ بِهَا فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً مِنْ زَوْجٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ زَوْجَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالزَّوْجُ الْوَاحِدُ إذَا دَخَلَ بِهَا تَحِلُّ لِلزَّوْجَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَطَلَّقَهَا الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا ثَالِثًا، وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] جَعَلَ الزَّوْجَ الثَّانِي مَنْهِيًّا لِلْحُرْمَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا حَرُمَتْ عَلَى زَوْجٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ وَطْءُ الزَّوْجُ الثَّانِي هَلْ يَهْدِمُ مَا كَانَ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ مِنْ الطَّلَاقِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، وَهَلْ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: يَهْدِمُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَهْدِمُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَجَ، وَالشُّبَهَ فِيمَا تَقَدَّمَ.

وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَغَابَتْ عَنْهُ مُدَّةً ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: إنِّي تَزَوَّجْت زَوْجًا غَيْرَكَ وَدَخَلَ بِي وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيُصَدِّقَهَا إذَا كَانَتْ ثِقَةً عِنْدَهُ أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدِّيَانَةِ، وَخَبَرُ الْعَدْلِ فِي بَابِ الدِّيَانَةِ مَقْبُولٌ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، كَمَا فِي الْإِخْبَارِ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَنَجَاسَتِهِ، وَكَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ تُخْبِرْهُ بِشَيْءٍ فَلَمَّا وَقَعَ قَالَتْ: لَمْ أَتَزَوَّجْ زَوْجًا غَيْرَكَ أَوْ قَالَتْ: تَزَوَّجْت وَلَمْ يَدْخُلْ بِي، أَوْ قَالَتْ: قَدْ خَلَا بِي وَجَامَعَنِي فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَكَذَّبَهَا الْأَوَّلُ.

وَقَالَ: قَدْ دَخَلَ بِك الثَّانِي، لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا كَمَا فِي الْخَبَرِ عَنْ الْحَيْضِ، وَالْحَبَلِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهَا مَا يُكَذِّبُهَا، وَقَدْ سَبَقَ مِنْهَا مَا يُكَذِّبُهَا فِي قَوْلِهَا، وَهُوَ إقْدَامُهَا عَلَى النِّكَاحِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَالدُّخُولِ بِهَا فَكَانَ فِعْلُهَا مُنَاقِضًا لِقَوْلِهَا، فَلَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي قَالَ لَهَا لَمْ تَتَزَوَّجِي أَوْ قَالَ لَمْ يَدْخُلْ بِك الثَّانِي.

وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ دَخَلَ بِي قَالَ الْحَسَنُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ التَّنَاقُضِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، قَالَ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ وَلَهَا نِصْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>