للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ يُحْمَلُ عَلَى تَحْرِيمِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الظِّهَارَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا التَّشْبِيهِ التَّشْبِيهَ فِي التَّحْرِيمِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمَ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الْيَمِينِ أَدْنَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي التَّحْرِيمِ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ وَغَيْرَهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّحْرِيمُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مَعَ مَا أَنَّ مَعْنَى الْكَرَامَةِ وَالْمَنْزِلَةِ أَدْنَى فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ التَّشْبِيهِ عَلَيْهِ.

وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأُمَّهَاتِ لَا ظُهُورَهُنَّ قُلْنَا هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْأُمِّ ظِهَارٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَقَالَ مَا هُنَّ كَأُمَّهَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْأُمُومِيَّةَ لَهَا وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي حُمِلَ عَلَى نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مَعَ التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمَ لَمْ يَحْتَمِلْ مَعْنَى الْكَرَامَةِ فَتَعَيَّنَ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ تَحْرِيمَ الظِّهَارِ وَيَحْتَمِلُ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَكُونُ ظِهَارًا؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّشْبِيهِ يَخْتَصُّ بِالظِّهَارِ فَمُطْلَقُ التَّحْرِيمِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ أَصْلًا فَهُوَ ظِهَارٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ إلَّا ظِهَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ طَلَاقًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا وَطَلَاقًا مَعًا.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ كَمَا يَحْتَمِلُ الظِّهَارَ فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَمَّا قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ فَسَّرَ التَّحْرِيمَ بِتَحْرِيمِ الظِّهَارِ فَزَالَ الِاحْتِمَالُ فَكَانَ صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ، أَوْ كَالدَّمِ، أَوْ كَالْخَمْرِ، أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ يُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ يَكُونُ يَمِينًا وَيَصِيرُ مُولِيًا.

وَإِنْ قَالَ: عَنَيْتُ بِهِ الْكَذِبَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا وَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ الْإِيلَاءِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَان الشَّرَائِط الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمُظَاهَرِ مِنْهُ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُظَاهَرِ مِنْهُ فَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لَهُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَيَصِحُّ ظِهَارُ زَوْجَتِهِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَإِضَافَةً إلَى وَقْتٍ بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَى رَأْسِ شَهْرِ كَذَا لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَتَعْلِيقًا فِي الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَقْتَ الْيَمِينِ.

وَأَمَّا تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ إضَافَتُهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَصَحِيحٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ بِأَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا صَارَ مُظَاهِرًا عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ، وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْحَالِ.

وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَقَعُ الظِّهَارُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الظِّهَارُ مِنْ الْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ إنَّمَا كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِظْهَارِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِالظِّهَارِ أَمْرٌ ثَبَتَ تَعَبُّدًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَشْبِيهُ الْمَرْأَةِ بِالْأُمِّ وَأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الْكَرَامَةِ وَالْمَنْزِلَةِ وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الْحُرْمَةِ، ثُمَّ التَّشْبِيهُ فِي الْحُرْمَةِ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا يَحْتَمِلُ حُرْمَةَ الظِّهَارِ وَهِيَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَقَّتَةُ بِالْكَفَّارَةِ وَيَحْتَمِلُ حُرْمَةَ الطَّلَاقِ وَحُرْمَةَ الْيَمِينِ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فِي احْتِمَالِ اللَّفْظِ سَوَاءٌ فَلَا يَجُوزُ تَنْزِيلُهُ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ شَرْعًا غَيْرَ مَعْقُولٍ فَيُقْصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَهِيَ الزَّوْجِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [المجادلة: ٣] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الزَّوْجَاتُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦] وقَوْله تَعَالَى ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً وَأُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَسْعَاةً عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [المجادلة: ٣] .

وَمِنْهَا قِيَامُ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَلَا الْمُبَانَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ وَالْمُبَانَةَ يَلْحَقُهُمَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمٌ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِالْإِبَانَةِ وَالْخُلْعِ، وَتَحْرِيمُ الْمُحَرَّمِ مُحَالٌ وَلِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَهُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ عَبَثًا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَأَنَّهُ قَائِمٌ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَلَمْ يَكُنْ إثْبَاتَ الثَّابِتِ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا وَكَذَا الثَّانِي يُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>