للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكْتُبُ لِتَجْوِيدِ الْخَطِّ فَالْتُحِقَ بِسَائِرِ الْكِنَايَاتِ فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ وَكَذَا الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ مُعْلَمَةً مَفْهُومَةَ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ فِي حَقِّهِ كَالْعِبَارَةِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ فِي قِيَامِ الْإِشَارَةِ مَقَامَ الْعِبَارَةِ قَوْله تَعَالَى خِطَابًا لِمَرْيَمَ ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] أَيْ: صَمْتًا وَإِمْسَاكًا وَذَلِكَ عَلَى الْإِشَارَةِ لَا عَلَى الْقَوْلِ مِنْهَا، وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى قَوْلًا فَدَلَّ أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْقَوْلِ.

وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ أَصْلًا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: قُمْ أَوْ اُقْعُدْ أَوْ اسْقِنِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَحْتَمِلُ الْعِتْقَ فَلَا تَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ الْعِتْقِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّ السَّلْطَنَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفَاذِ الْمَشِيئَةِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ فَانْتِفَاؤُهَا لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّهُ نَفَى السُّبُلَ كُلَّهَا وَلَا يَنْتَفِي السَّبِيلُ عَلَيْهَا مَعَ قِيَامِ الرِّقِّ.

أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى مُكَاتَبِهِ سَبِيلَ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَذَا السُّلْطَانُ يَحْتَمِلُ الْحُجَّةَ أَيْضًا، فَقَوْلُهُ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك أَيْ: لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك وَانْتِفَاءُ حُجَّتِهِ عَلَى عَبْدِهِ لَا يُوجِبُ حُرِّيَّتَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ أَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتَ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُك أَوْ قَالَ: لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُك أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك أَوْ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ اذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ اُعْزُبِي أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ اسْتَبْرِئِي أَوْ اخْتَارِي وَنَوَى الْعِتْقَ فَاخْتَارَتْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الْعِتْقُ بِهَا إذَا نَوَى وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ لَا يَقَعُ بِهَا الْعَتَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ قَوْلَهُ لِمَمْلُوكَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك إثْبَاتُ الِانْطِلَاقِ أَوْ إزَالَةُ الْقَيْدِ وَأَنَّهُ نَوْعَانِ: كَامِلٌ وَذَلِكَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْعِتْقِ، وَنَاقِصٌ وَذَلِكَ بِزَوَالِ الْيَدِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الْعِتْقَ فَقَدْ نَوَى أَحَدَ النَّوْعَيْنِ فَنَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ طَلُقَتْ كَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْمُضَافَةَ إلَى الْمَمْلُوكِ عِبَارَاتٌ عَنْ زَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ أَمَّا قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ، وَالْقَيْدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ الْعَمَلِ لَا عَنْ الْمِلْكِ وَالْمَانِعُ يَدُ الْمَالِكِ فَرَفْعُ الْمَانِعِ يَكُونُ بِزَوَالِ يَدِهِ، وَزَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ الْمَمْلُوكِ لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ كَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا قَوْلُهُ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ إلَى أَيْنَ شِئْت؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْيَدِ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَنْفِي الرِّقَّ كَالْمُكَاتَبِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ بِمُتَنَوِّعٍ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَزَوَالُهُ عَنْ الْمَمْلُوكِ لَا يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ كَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنْتَ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُك؛ لِأَنَّهُ يُنَبِّئُ عَنْ الْفَصْلِ وَالتَّبْعِيدِ وَكَذَا التَّحْرِيمُ بِجَامِعِ الرِّقِّ كَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَخْلِيصٌ وَالْقَيْدُ ثُبُوتٌ فَيُنَافِيهِ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَمَا لَا يُمْلَكُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ مَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْيَمِين بِلَفْظِ النِّكَاحِ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ لَا يَخْتَصُّ ثُبُوتُهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ كَمَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَخْتَصُّ زَوَالُهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَزُولُ بِرِدَّةِ الْمَرْأَةِ، وَكَذَا بِشِرَائِهَا بِأَنْ اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ فَجَازَ أَنْ يَزُولَ بِلَفْظِ التَّحْرِيرِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ أَوْ فَرْجُك فَرْجُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ لَكِنْ بِحَذْفِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ وَإِنَّهُ جَائِزٌ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: ٨٨] أَيْ كَمَرِّ السَّحَابِ وَقَالَ الشَّاعِرُ

وَعَيْنَاكِ عَيْنَاهَا وَجِيدُكَ جِيدُهَا … سِوَى أَنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْكِ دَقِيقُ

فَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: كَلَامُ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ لَهُ قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٥٨] وَقَالَ تَعَالَى ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [الصافات: ٤٩] فَلَا يَعْتِقُ، وَلَوْ نَوَّنَ فَقَالَ: رَأْسُك رَأْسٌ حُرٌّ وَبَدَنُك بَدَنٌ حُرٌّ وَفَرْجُك فَرْجٌ حُرٌّ فَهُوَ حُرٌّ؛ هَذَا لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ بَلْ هُوَ وَصْفٌ وَقَدْ وُصِفَ جُمْلَةً أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جُمْلَةٍ بِالْحُرِّيَّةِ فَيَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا مِثْلُ الْحُرِّ أَوْ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ؛ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>