للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفقر، وكثرة العيال من أكثر ما يقعد بالعالم الذكي عن بلوغ الغايات. وإمامنا قد كفي هذا من وجوه. فأبوه ترك له من المال الطيب ما يكفيه مدة الطلب. والأم الصالحة كانت علي ما يظهر تحسن التدبير، فما تركت إِمامنا ينشغل عن غايته بتنمية التركة. بل نراها أحسنت الصنع فجمعت له الحج وطلب الحديث في سفرة واحدة. ويأتي أخيرا الزهد والقناعة التى طبع عليها إمامنا، وكذلك ترك التكلف فى المظاهر لهذه الحياة.

ثم إن البخارى لم يحاول الإِتصال بأولى الأمر في ذلك العهد وآثر البعد عنهم قدر ما يستطيع، حتي لا يشغلوه ويعكروا عليه صفاءه القلبى والذهنى. وقد حكي وراق البخارى أن البخاري ورث من أبيه مالا جليلا، وكان يعطيه مضاربة. (١)

وقال وراقه أيضا سمعته يقول: وما توليت شراء شئ قط ولا بيعه، كنت آمر إِنسانا فيشتري لي. (٢)

وقال وراقه أيضا: قطع له غريم خمسة وعشرين ألفا، فقيل له: إِستعن بكتاب الوالى. فقال: إن أخذت منهم كتابا طمعوا، ولن أبيع ديني بدنياى. (٣)

[٧ - الإخلاص فى الطلب، وصرف الهمة إليه]

سأله وراقه يوما فى خلوة: هل من دواء يشربه الرجل فينتفع به للحفظ؟ فقال البخارى: لا أعلم. ثم أقبل عليه وقال: لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر. ثم قال البخارى: وذاك أنى كنت بنيسابور مقيما، فكانت ترد إِليَّ من بخاري كتب، وكن قرابات لي يقرئن سلامهن فى


(١) هدي السارى (٤٧٧).
(٢) المرجع السابق.
(٣) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>