للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويكون الأول ما أتقن ولا حرر، بل يتبعونه تحسينًا للظن به" (١)

والمهم هنا أن نعلم أن من ذكرهم البخاري في تاريخه هم غالب من قامت عليهم رواية الحديث. والله أعلم.

ثانيًا: كثرة ما حواه من "تعليلات":

إِن طبيبعة تصنيف "التاريخ" تملي على البخاري أن يورد "علل" ما رواه الرواة الذين يترجمهم في كتبه، ذلك لأن من طرق دراسة الرجل- توثيقًا وتجريحا - اختبار ما لديه من قوة الضبط، وقوة الضبط هذه، إنما تظهر بالمقارنة والاعتبار بين ما رواه هو وبين ما رواه غيره من الرواة، سواء كانوا أوثق منه ليظهر شذوذ روايته، أو أدنى منه مرتبة ليظهر حفظه ونكارة ما رواه من دونه.

إن هذه المقارنات الدقيقة في محال الرواية هي الوسيلة لكشف "علل الحديث" وهي من أجل أنواع علوم الحديث وأعلاها رتبة، ولا يتصدى للقضاء في "حفظ هذا" أو "شذوذ" ذلك، أو "نكارة" ذاك إلا منْ ملك زمام النقد، وتربع علي عرش الرواية يحكم لهذا، أو لذلك من الرواة. إِن البخاري قد شهد له جماهير علماء النقد بأنه من أئمة هذا العلم، ولم يجادل في هذا أحد. قال الترمذي: "ولم أجد بالعراق ولا بخراسان، في معنى العلل والتاريخ، ومعرفة الأسانيد كبير أحد أعلم من محمد إِسماعيل -رحمه الله- (٢). فلا عجب أن ينثر البخاري من "علم العلل" في هذا الكتاب جواهره، فاشتاق إليه العلماء أيما اشتياق. قال وراق البخاري: سمعت أبا سهل محمودا الشافعي يقول: سمعتُ أكثر من ثلاثين عالما من علماء مصر يقولون: حاجتنا من الدنيا النظر في "تاريخ" محمد بن إِسماعيل. (٣)

فلا تَكْمُن -إِذن- أهمية التاريخ، في كثرة ما حواه من تراجم لرواة


(١) هدي الساري ص (٤٦٥).
(٢) شرح علل الترمذي (١/ ٣٢).
(٣) سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>