للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٨ - طريقة البخاري في الطلب وتبكيره بالتصنيف]

إِن السيرة العلمية للبخاري جديرة أن يقف عندها الباحث، فقد عرفنا أنه رزق المؤهلات التى تؤهله للطلب، من الذكاء، وفراغ البال من العيش، وصلاح البيئة، وصلاح الأهل، وطيب المطعم، وكذلك رزق الأخلاص في الطلب، ومحبة الصالحين من شيوخه وأقرانه، كما حقّته دعوات أهل الخير ممن عرفوا قدره، الى غير ذلك من توفيق الله تعالي لهذا الإِمام. لكن ما هو الجهد الذي بذله هذا الإِمام للوصول إِلى ما وصل اليه؟ إِنّ يد العناية قد أهدت اليه ما يستطيع به أن يبلغ الذروة، فبماذا قابل الإِمام كل ذلك؟

لقد اختطّ لنفسه منهجًا جديدا وحازمًا في الطلب، فكان عجبًا من العجب، أثار انتباه غير واحد من فحول ذلك الزمن.

فقد ألقي في قلبه حفظ الحديث، فبدأ يحفظه وهو لم يتخرّج من الكتاب بعد. فما أن تخرّج منه إِلا وهو يحفظ ما يقارب السبعين ألف حديث. وهذا من غرائب الأمور في التحصيل العلمي يومذاك. لأن من يتخرّح من الكُتّاب يكون قد أتم حفظ القرآن. أما أنه كان يحفظ معه (سبعين ألف حديث) فهذا موضع العجب الذي لا ينتهي.

قال سليم بن مجاهد: كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال لي: لو جئتَ مِن قبل لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث!! (١)

والعجب أنه لم يكن يحفظ حفظا تقليديا كما يحفظ من في سنّه، بل كان يحفظ حفظ الأدباء العقلاء الفقهاء، فكان يُعْمِل فكره في الاسناد، كما يجهد عقله في المتن.

قال سليم بن مجاهد -متمما للخبر السابق: "فخرجت في طلبه حتى


(١) هدي الساري: ص (٤٨٣). وقارن هذا بقول إِسحاق بن راهوية فبعد أن تصدّر وجلس للفتوى جعل يقول: (كأني أنظر إِلى سبعين ألف حديث من كتابي). السير: ١٢/ ٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>