للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لك المال الذي عرضته علىّ -عنيت المناصفة- وذلك أنه قال: لي جوار وامرأة، وأنت عزب، فلذي يجب علىّ أن أناصفك لنستوي في المال وغيره، وأربح عليك في ذلك، فقلت له: قد فعلت -رحمك الله- أكثر من ذلك اذ أنزلتني من نفسك مالم تنزل أحدا، وحللت منك محل الولد. ثم حفظ علىّ حديثي الأول وقال: ما حاجتك؟ قلت: تقضيها؟ قال: نعم، وأسرّ بذلك. قلت: هذه الألف، تأمر بقبوله، وأصرفه في بعض ما تحتاج اليه، فقبله، وذلك أنه ضمن لي قضاء حاجتي. ثم جلسنا بعد ذلك بيومين لتصنيف "الجامع"، وكتبنا منه ذلك اليوم شيئا كثيرا إلى الظهر، ثم صلينا الظهر، وأقبلنا على الكتابة من غير أن نكون أكلنا شيئا، فرآني لما كان قرب العصر شبه القلق المستوحش، فتوهّم فيّ ملالا. وإنما كان بي الحصر غير أني لم أكن أقدر على القيام، وكنت أتلوّى أهتمامًا بالحصر. فدخل أبو عبد الله المنزل، وأخرج إِلى كاغدة فيها ثلاث مئة درهم، وقال: أما أذا لم تقبل ثمن المنزل، فينبغي أن تصرف هذا في بعض حوائجك. فجهدني، فلم أقبل. ثم كان بعد أيام. كتبنا إِلى الظهر أيضا، فناولني عشرين درهما. فقال: ينبغي أن تصرف هذه في شراء الخضر ونحو ذلك. فأشتريت بها ما كنت أعلم أنه يلائمه، وبعث به إليه، وأتيت. فقال لي: بيّض الله وجهك، ليس فين حيلة، فلا ينبغي لنا أن نُعَنّي أنفسنا. فقلت له: أنك قد جمعت خير الدنيا والآخرة، فأيّ رجل يَبَرّ خادمه بمثل ما تَبَرّني أن كنت لا أعرف هذا، فلست أعرف أكثر منه. (١)

قال: وكان أبوعبد الله يصليّ في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة وكان لايوقظني في كل ما يقوم. فقلت: أراك تحمل على نفسك، ولم توقظني. قال: أنت شاب، ولا أحب أن أفسد عليك نومك. (٢)


(١) سير النبلاء: ١٢/ ٤٥٠ - ٤٥٢.
(٢) تأريخ بغداد: ٢/ ١٣ - ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>