للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه يوهم المعني الثاني وهو خطأ.

ولذلك منع الإِمام أحمد وغيره الإِطلاقين، يعني "لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق" (١).

أما البخاري فقال: حركاتهم وأصواتهم وإِكتسابهم وكتابتهم مخلوقة. فأما القرآن المتلو، المبين المثبت في المصاحف، والمسطور المكتوب، الموعي في القلوب، فهو كلام الله ليس بمخلوق (٢). قال الله تعالي:

{بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (٣).

وساق البخاري أدلته علي مذهبه هنا، وجلى هذه المسألة حتى قال الإِمام ابن القيم: البخاري أعلم بهذه المسألة وأولى بالصواب من جميع من خالفه، وكلامه أوضح وأمتن من كلام أبي عبد الله -يعني الإِمام أحمد- (٤). ولكن مع هذا لم ينته الأمر بين البخاري والذهلي، لأنه لم يعد -علي ما يظهر من الأخبار- أمرا إِجتهاديا يمكن أن تختلف فيه الأنظار، بل داخله شئ من حظ النفس، فلج امام نيسابور في قراره الأول، وشدد في تبديع الإِمام البخاري، والإِمام البخاري صابر محتسب، لم تصدر منه كلمة تشين من نسبوه إِلى البدعة.

وهكذا كانت هذه الفتنة الأليمة، فببساطة ينسب البخاري إِلى "البدعة" وهو الذي قضي حياته يحاربها، وبين عشية وضحاها يتحول ذلك الإِمام الكبير من إِمام لأهل السنة والجماعة إِلى "مبتدع" يجب أن يهجر ولا يقرب، وسبحان الله الحليم الكريم.


(١) انظر مختصر الصواعق المرسلة لأبن القيم (٢/ ٣١٠).
(٢) سير النبلاء (١٢/ ٤٥٥)، وانظر "خلق أفعال العباد" للبخاري (١٣٨ و ١٤٦) حيث ذكر بعض أدلته علي ذلك.
(٣) العنكبوت (٤٩).
(٤) مختصر الصواعق المرسلة (٢/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>