للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية: "وقد ورد في العلم الإلهي النبوي اتصاف الحق بالرضا والغضب، وبالصفات، والرضا مزيل للغضب، والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه، والاعتدال: أن يتساوى الرضا والغضب، فما غضب الغاضب على من غضب عليه، وهو عنه راض, فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه، وهو ميل، وإنما قلنا هذا لأجل من يرى أن أهل النار، لا يزال غضب الله عليهم دائما أبدا في زعمه، فمآلهم حكم الرضا من [الله] فصح المقصود، فإن كان -كما قلنا- مآل أهل النار إلى إزالة الآلام، وإن سكنوا النار، فذلك رضا، فزال الغضب لزوال الآلام، إذ عين الألم عين الغضب إن فهمت. فمن غضب، فقد تأذى, فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك، فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه، والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد، وإذا كان الحق هوية العالم، فما ظهرت الأحكام كلها إلا فيه ومنه، وهو قوله: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: ١٢٣] حقيقة وكشفا١ {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} حجابا وسترا٢، فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم٣؛ لأنه على صورة


١يعني بالأمر: كل مظاهر الوجود وأحكامه، ويفتري بهذا البهتان على الله، فيزعم أن مظاهر الخلق هي مظاهر الحق، وأن ما نحكم به على مظاهر الوجود وصوره يجب أن نحكم به على الحق، إذ هو عين تلك المظاهر، فإذا قيل: إن فلانا يتألم من كذا، أو يلتذ به، فالمتألم عند الصوفية والملتذ عند الصوفية والملتذ هو الحق المتعين في فلان هذا وإذا قلنا: إن فلانا آثم غوي، كان هذا الحكم محكوما به في الحقيقة على رب الصوفية؛ لأنه هو عين هذا الآثم الغوي، هذا تفسيره لقوله سبحانه: {إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} ولذا عقبها بقوله: حقيقة وكشفا.
٢ الأمر بالعبادة يستلزم إثبات معبود وعابد، ويصف ابن عربي الأمر بالعبادة بأنه ستر وحجاب، إذ ما ثم عابد ومعبود، فالعابد عين المعبود، ولذا عقب الآية بقوله: حجابا وسترا.
٣ لأنه يدين بأن العالم هو الله وصفاته وأسماؤه.

<<  <  ج: ص:  >  >>