للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب الوقت١، وأنه الخليفة بالسيف، وإن جار في العرف الناموسي, لذلك قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤] أي: وإن كان الكل أربابا بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم، بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم، ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله، لم ينكروه، وأقروا له بذلك، فقالوا له: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: ٧٢] فالدولة لك, فصح قوله: أنا ربكم الأعلى، وإن كان عين الحق، فالصورة لفرعون، فقطع الأيدي والأرجل [٣٥] وصلب بعين حق في صورة باطل٢، لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل [فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها، لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت] ، إذ لا تبديل لكلمات الله، وليس كلمات الله سوى أعيان الموجودات٣، فينسب إليها القديم من حيث ثبوتها، وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها، كما تقول: حدث اليوم


١ عرف الصوفية صاحب الوقت بأنه: "هو المتحقق بجمعية البرزخية، المطلع على حقائق الأشياء، الخارج عن حكم الزمان وتصرفات ماضيه ومستقبله إلى الآن الدائم، فهو ظرف أحواله وصفاته، فلذلك يتصرف في الزمان بالطي والنشر، وفي المكان بالقبض والبسط؛ لأنه المتحقق بالحقاق والطبائع في القليل والكثير والطويل والقصير والعظيم والصغير سواء، إذ الوحدة والكثرة والمقادير كلها عوارض، فكما تصرف في الوهم فيها، كذلك في العقل، فصدق وافهم تصرفه فيها في الشهود والكشف الصريح، فإن المتحقق بالحق، المتصرف بالحقائق يفعل ما يفعل في طور وراء طور الحس والوهم والعقل، ويتسلط على العوارض بالتغيير والتبديل" جامع الأصول في الأولياء ط ١٣٢٨ للكمشخانلي.
٢ يزعم أن فرعون حين صلب كان هو الله في الحقيقة متعينا في صورة باطلة هي صورة خلقية سميت فرعون.
٣ أبى الزنديق إلا أن يكون كفره أشد خبثا من كفر النصارى، إذ زعموا أن حكمة الله تجسدت في عيسى، وزعم هو أن أعيان الموجودات كلها هي تجسدات كلمات الله، أو هي كلمات الله تعينت أجسادا، أو هي هي الله سبحانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>