للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورتها الوعيد الجازم- فإنما تريد: إذ لم تعف, وأصرت على الانتقام، وادعي أن ذلك مركوز في طباعها، وأن حقيقة اللفظ الحمل عليه، سواء أراده حالة التخاطب، أو لم يرده. وقال فيه آخرون: إن الرب سبحانه وتعالى علق الأشياء بمشيئته في غير موضع, وأن الوعد المطلق مقيد بالمشيئة، فجوز أن يقع الوعيد بشيء، فلا يحصل المتوعد: إما لأن حقيقة اللفظ مقيدة بعدم العفو، وإما لأن مطلق اللفظ مقيد بنصوص أخر مع أمور أخرى يحتملها اللفظ مطلقا من غير دليل خاص: من تقييد المطلق، وتخصيص العام، واحتمال الإضمار والمجاز. وجوز أن يضع الله تعالى اللفظ وضعا جديدا لمعنى آخر لا تفهمه العرب عند بعض الناس إلى غير ذلك. ومع هذا كله، فإنما هو كلام في أصل الوعيد من حيث الجملة. وأما خصوص مسألة وعيد الكافرين، فلا خلاف أن المراد به قد علم، وأن من ادعى أن الكفار لا يعذبون أصلا، فهو كافر، إلا أن يكون ممن لم تبلغهم الدعوة, أو في معناه، والمراد في وعيد الكافرين المعلوم: هو أنهم يعذبون في النار العذاب الشديد، ولا يغفر كفرهم المغفرة المزيلة للعقوبة بعد بلوغ الدعوة، على الوجه الذي تقوم به الحجة. والعلم بالمراد في هذه القضية متلقى بوجهين: أحدهما: أخبار التواتر. الثاني: فهم الصحابة لذلك عن المعصوم فهما قطعيا منقولا إلينا بالتواتر المعنوي١، وإنما تكلموا في مسألة الخلود دون أصل.


١ ورد الخبر عن عذاب الله للكفار وغيرهم بصيغة الماضي في بعض الآيات، ومثال: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح: ٢٤] والتعبير عما سيقع بصيغة تفيد أنه وقع يفيد تحقق الوقوع، وأنه سيقع لا محالة، ثم إن ابن عربي إنما ينكر العذاب؛ لإيمانه بوحدة الوجود, وبالتالي إلى وحدة الأديان، فالزنديق يدين بأن الله سبحانه عين كل شيء، ويدين بأن كل دين هو عين الحق، فكيف يعذب الله كافرا، أو مشركا؟ والكافر عنده هو الله، وكذلك المشرك. والكفر دين حق وكذلك الشرك، لا يمكن وقوع العذاب، وإلا قلنا: إن الله يعذب نفسه. هذا سر إنكار ابن عربي وقوع العذاب، فهو في واد، وما ذكره المؤلف هنا عن الوعيد في واد آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>