للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهأنا أبدي في اتحادي مبدئي ... وأنهي انتهائي في تواضع رفعتي

جلت في تجليها الوجود لناظري ... ففي كل مرئي أراها برؤية

وأشهدت غيبي إذ بدت فوجدتني ... هنالك إياها بجلوة خلوتي

فوصفي -إذ لم تدع باثنين- وصفها ... وهيئتها -إذ واحد نحن- هيئتي١


١ زعم الزنديق قبل أنه قطب الأقطاب، وأن له وحده القدرة المهيمنة، والعلم المحيط بما في عالمي الغيب والشهادة، وفي هذه الأبيات يوغل أيضا في التزندق إيغالا فاجرا، فيزعم أنه السيد لكل سيد، وأنه مفيض الحياة والوجود، وأنه المهيمن على إرادة كل مريد، فلولاه ما وجد موجود، ولا خلق كائن، ولا أخذ العهد على الآدمية أن تعبد الله، ولا دعا إلى الله -بالحق- نبي أو رسول. لأنه الآخذ لهذا العهد على عبيده، المرسل للرسل المانح المعطي كل كائن وجوده وحياته، ولما كان ابن الفارض يدين بأن الله سبحانه هو عين خلقه، وأنه -أي: ابن الفارض- هو الله، فقد هوى هنا في هذه الأبيات مع الزندقة إلى غورها السحيق، إذ يزعم أن ما تلفظه الشفاه هو في الحقيقة ألفاظ الله، وأن ما تسمعه الآذان، وتراه العيون، عين ما يسمع الله ويرى، بل الآذان والعيون هي في حقيقتها آذان الله وعيونه, وتعالى الله عما يشركون، مشيرا في لآمة ماكرة إلى الحديث القدسي "كنت سمعه..إلخ" ملمحا بهذه الإشارة إلى أن السنة تؤيد بهتان مجوسيته. وقد سبق الرد على ما يدندن به الصوفية حول هذا الحديث.. كل هذا يهدف به مخبول الزندقة، ليؤكد لك عشرات المرات أنه هو الله، ورغم جلاء الكفر الآثم في شعره، فإنا ما زلنا نسمع من الأحبار أن ابن الفارض سلطان العاشقين، في حين أن كفر ابن الفارض أشد جحودا، وأخبث وسيلة وغاية من كفر الشيطان، فإبليس في لحظة تحدي العبودية الآبقة للربوبية المهيمنة، لم يذهله التحدي عن عزة الله، وأنه سبحانه هو الأعظم الأكبر، فلم يقسم بغير عزة الله {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] وإبليس في لحظة الجحود والعناد لم يزعم لنفسه القدرة الشاملة، ولا التصرف الكامل، فقال: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} وإبليس في لحظة التخايل بالكبر المقيت، لم يزعم لنفسه أنه غني عن الله، ولا أن حياته طوع إرادته هو، فدعا الله سبحانه دعاء المفتقر إلى من يؤمن بأنه غني أن ينظره الله إلى يوم البعث {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: ٣٦] فتأمل في كفر إبليس وكفر ابن الفارض، وثمت تقول مع الحق: وأين من كفر الزنديق كفر إبليس؟!!

<<  <  ج: ص:  >  >>