للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البساطي: "لكن دعوى تجلي الله بصورة ما مكفر بها١ شرعا بإجماع المسلمين والكافرين من آمن به، وإن لم يكن حلولا".

ثم قال: دالا على أن ما قاله بزعمه في الكتاب والسنة:

وفي الذكر٢ ذكر اللبس ليس بمنكر ... ولم أعد عن حكمي كتاب وسنة

وشرحه الشراح كلهم بقوله تعالى في الكتاب العزيز: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ} [القصص: ٣٠]


= والصوفية يدينون بأنه ما ثم غير من الأغيار، وإنما الكل عندهم عين الذات.
رابعا: حينما ظهرت الملائكة لإبراهيم الخليل عليه السلام ظنهم رجالا -والعارف الحق عندهم من لا تخدعه الصورة عن الحقيقة- فقدم لهم طعاما، فلم ينالوا منه شيئا، وهذا دليل على أن الملائكة -رغم ظهورهم في صور بشرية- ظلت على خصائصها الملكية، ولم تنزل على حكم البشرية، فتأكل وتشرب, في حين يدين الصوفية بأن الله سبحانه عين الماهية والهوية من كل موجود، وله خصائصه الحيوانية، والإنسانية، أو الجمادية، فيأكل ويشرب ويتزوج وغير ذلك.
قال الحافظ بن حجر في الفتح "والحق أن تمثل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه" لكن الصوفية -يعبر عنها ابن الفارض وابن عربي وغيرهما- تدين بأن ذات الحق عين الخلق فيجوز عليها كل ما يجوز عليهم، فهي حقيقة القاتل من فاعل القتل، وشارب الخمر من شاربها، فما من فاعل يأتي بشيء، وما من مجرم يقترف إثما إلا وهو الله حقيقة عند الصوفية، وتعالى الله الملك الحق عما يصفون!!
١ سبق ذكر هذا النص وتعليقي عليه.
٢ القرآن.
٣ يفتري الزنديق أن من كلم موسى هي الشجرة، وأنها كانت هي الله سبحانه متجليا في صورة شجرة، ثم يأخذ من هذا الإفك الأثيم دليلا على دعواه، وهو تعين الله في صورة خلقية، وتجليه في صورة ابن الفارض، ورغم هذا البهتان المجوسي، فالآية تدمغهم، فإنها تثبت وجود أغيار كثيرة غير الرب الذي ظنوه شجرة. تثبت وجود موسى، والشاطئ، والبقعة المباركة، وابن الفارض ومخانيثه يدينون بأنه ما ثم غير أبدا, فعندهم أن الله سبحانه عين كل شيء. وهم يزعمون هنا أن الشجرة وحدها كانت هي الله، فما استدلوا به يناقض ما يدينون به.

<<  <  ج: ص:  >  >>