للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشراح: "أي: على حضرة المحبوبة سلامي في قولي: التحيات إلى آخره؛ مجاز لأنها عيني، لا غيري، فحقيقة السلام مني، وإلي" وقد مثلوا كون التشخص مجازيا، والإطلاق حقيقيا بأن الروح الكلي الذي هو الإله عندهم كالبحر، والأشخاص الناشئة عنه مثل البخار الصاعد من صورته البخارية ثم في صورة السحابية، ثم يرجع إلى الماء، ويختلط بالحبر، فيصير إياه، وهو بخار وسحاب حقيقة، وتلك الصورة العارضة مجاز١!!

فأين هذا الانهماك في اللذة قولا وفعلا، والانقياد للهوى عقدا وحلا، من رتبة الولاية التي يدعيها المتعصبون له، التي من شرطها الإعراض عن الانهماك في اللذات الدنيوية ومن رتبة الولاية التي يدعيها هو؟


١ مراده من هذا: إثبات أن المغايرة بين الحق والخلق مغايرة وهمية، أو اسمية، أو صورية، ويشبهها بالمغايرة بين الماء المطلق، وبينه في حال تعينه بصورة بخارية, أو سحابية. فالكل حقيقة واحدة، هي الماء، ولكنها تعينت مرة في صورة بخار، وأخرى في صورة سحاب، وكذلك الذات الإلهية عندهم، فإنها هي وذوات الخلق واحد في الحقيقة، كثير بالاعتبار، فهوية الحق قبل التعين تسمى وجودا مطلقا، أو حقا، ثم سميت خلقا بعد التعين، فهما واحد في الحقيقة، غيران بالنسب والإضافات. يقول التلمساني:
البحر لا شك عندي في توحده ... وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور ... فالواحد الرب ساري العين في العدد
وأقول: هذا المثل حجة على الصوفية، فالماء لا يصير بخارا من نفسه، بل بتأثير شيء آخر خارج عنه يخالفه في حقيقته: هو الحرارة، وكذلك في صيرورته سحابا، فالمؤثر في هذه الصيرورة شيء غير الماء يخالفه في الحقيقة، فالمثل إذا يثبت وجود غيرين هما غير الماء حقيقية وصورة. والصوفية ينكرون الغيرية والكثرة، والمثل كما رأيت يثبتهما، ويثبت أيضا أن الماء في صيروراته يخضع لمؤثر خارجي، وهذا يستلزم كون رب الصوفية يتأثر بغير حقيقي خارجي. فما ذلك المؤثر، أو من هو؟

<<  <  ج: ص:  >  >>