للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من خالفه وأرداه، وبسيف الشرع قتله وأخزاه، فقال فيما رواه عنه البخاري في كتاب الشهادات من صحيحه: "إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن الوحي قد انقطع, وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر خيرا أمناه، وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، والله يحاسبه في سريرته. ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة" وقد أخذ هذا الأثر الصوفية، وأصلوا عليه طريقهم. منهم صاحب العوارف استشهد به في عوارفه، وجعله من أعظم معارفه، فمن خالف الفاروق رضي الله عنه كان أخف أحواله أن يكون رافضيا خبيثا، وأثقلها أن يكون كفارا عنيدا، وهذا الذي سماه الفاروق رضي الله عنه: ظاهرا هو الذي يعرف في لسان المتشرعة بالصريح، وهو ما قابل النص والكناية والتعريض، وقد تبع الفاروق رضي الله عنه على ذلك -بعد الصوفية- سائر العلماء، لم يخالف منهم أحد كما نقله إمام الحرمين١ عن الأصوليين كافة، وتبعه الغزالي، وتبعهما الناس. وقال الحافظ زين الدين العراقي أنه أجمع عليه الأمة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح، وكذا قال الإمام أبو عمرو ابن عبد البر٢ في التمهيد، وأصله إمامنا الشافعي رضي الله في كتاب


= تأويلهم لشيء ما من كلام المعصوم، وإنما كان الجميع يفهمون ما جاءهم عن الله ورسوله بمعانيه التي هي له في لغة العرب, لا بما اصطلحت عليه الفلسفة أو التصوف أو الكلام. فما عرف شيء من هذه الضلالات، ولا في عهد أصحابه. وقريب من الذكر تلك الضربات الهادية الشافية التي أنزلها عمر على رأس من جاء يسأله عن معنى الذاريات، إذ استشعر من وراء السؤال فكرا يهمس فيه الشك.
١ هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي الجويني من زعماء الأشاعرة. ولد سنة ٤١٩هـ ولقب بإمام الحرمين. لأنه جاور بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي. توفي سنة ٤٧٨هـ.
٢ هو يوسف بن عبد البر بن محمد حافظ المغرب. قال عنه ابن حزم "لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله. ولد سنة ٣٦٨هـ وتوفي سنة ٤٦٣هـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>