للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التنزيه والتشبيه: ١

ثم قال في فص حكمه سبوحية في كلمة نوحية: "اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل، وإما صاحب سوء أدب، ولكن إذا أطلقاه٢، وقالا به. فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه، ولم ير غير ذلك، فقد أساء الأدب، وأكذب الحق والرسل وهو لا يشعر، ويتخيل أنه في الحاصل، وهو في الفائت، وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية، إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به، إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.


= وهذا تفسير آخر لافتقار الخلق إلى الحق عند الصوفية. أما افتقار الحق إلى الخلق، فيفسره ابن عربي بأنه احتياجه إلى تعين أسمائه وصفاته، بل ماهيته في صور خلقية. فلولا المادة عند ابن عربي ما ظهر للحق وجود. ولا تعينت له ذات، ولذا وضع الصوفية الحديث المفترى: "كنت كنزا مخفيا، فخلقت الخلق فبي عرفوني" وما زلت أذكر ذلك الشيخ الذي راح يشرح لنا هذا الحديث وأنا بمعهد طنطا، فكان مما قاله أن المراد بـ"فبي" محمد!! وكان دليله على خرافته أن العدد الناتج من حروف "فبي" يساوي العدد الناتج من حروف "محمد" فكلاهما على طريقة حساب الجمل: أبجد هوز إلخ = ٩٢!
وكما صفقنا وانتشينا، ويذهب الطالب الصغير إلى قريته ويحدث الناس بهذا، فيطربون للصبي الصغير إذا جاءهم بعلم لدني رباني!.
١ يريد ابن عربي بالتنزيه الإطلاق، وبالتشبيه التقييد، فإله الصوفية مشبه إذا نظرت إليه من حيث تعيناته في صور خلقية. وهو منزه إذا نظرت إليه من حيث كونه وجودا مطلقا, والعارف الحق عندهم من يؤمن برب كان مطلقا، ثم تعين فصار مقيدا، أي: خلقا. أما من يؤمن بأن الله غير خلقه، فهو ضال مشرك، إذ يؤمن بغير ما من الأغيار.
٢ في الأصل: أطلقناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>