للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه١ وإن كان قد تميز الخلق من الخالق، فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق كل ذلك من عين واحدة [لا] ، بل هو


١ يمثل الزنديق علاقة الحق بالخلق، بعلاقة الواحد الحسابي بالأعداد، فيزعم أن جميع الأعداد صور للواحد، وكذلك الوجودات المتعددة ما هي إلا صور للوجود الواحد، هو الوجود المطلق. فالتسعة مثلا هي الواحد مكررا, فلك القول بأن الواحد عين التسعة، ولك القول بأنه غيرها، بيد أنها غيرية مجازية، أو اسمية فقط. وكذلك الحق سبحانه -هكذا يأفك الزنديق- والخلق، فهذا عين الحق باعتبار الهوية والماهية، وهو غيره باعتبار خصوصيته، أي: كونه مظاهرا للذات الواحدة، ولكنها غيرية ذهنية لا تحقق لها في الخارج. ألا تراه يزعم: "إن الحق المنزه عين الخلق المشبه"؟، وما أظن الكفر تجرأ على الله من أحد بمثل هذه الجرأة من ابن عربي، وما أظنه صرح عن خبيئته بما هو أبين من هذه الصراحة.
والرد على تلبيس ابن عربي هين. فالأعداد في ذاتها حقائق معقولة، لا توجد في الذهن، ولا توصف بالوجود الخارجي إلا بالنسبة للمعدودات، ثم إن معدود الأربعة مثلا ليس بلازم أن يكون عين معدود الخمسة، بل ولا عين معدود أربعة أخرى، فقد يكون معدود الخمسة أقلاما، فيكون الواحد فيها قلما, وقد يكون معدود الأربعة كتبا، فيكون الواحد منها كتابا. فيكون الواحد في الأربعة غير الواحد في الخمسة، بل غيره في أربعة أخرى، وهكذا في كل معدود. وهي غيرية حقيقية في الذاتيات والعرضيات. ولكن ابن عربي يوقن بأن الحق المتلبس بصورة الصنم عين الحق المتلبس بصورة الخنزير, يؤمن بأن الحق المعبود في عجل السامري عين الحق المعبود في البار، وهبل. أما الأعداد فقد رأيت أن الواحد في الأربعة يغاير الواحد في الأربعة يغاير الواحد في الخمسة مثلا، أو في أي عدد آخر مغايرة حقيقية، نعم معنى الواحد في عدد ما عين معناه في عدد آخر، لكنها عينية ذهنية، أو تجريدية فحسب. أما ابن عربي فيؤمن بتحقق العينية في الوجود الخارجي، إذ يدين بأن ما في الخارج عين ما في الذهن. وهذا واضح البطلان، فالمستحيل يوجد في الذهن، ولكنه لا يوجد في الخارج، وكذلك المطلق والكلي بشرط الإطلاق والكلية يوجدان في الذهن، ولا يوجدان ألبتة في الخارج.

<<  <  ج: ص:  >  >>