للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن الواجب هو الوجود المطلق١، وهو واحد لا كثرة فيه أصلا وإنما الكثرة بالإضافات, والتعينات التي هي بمنزلة الخيال والسراب، إذ الكل في الحقيقة واحد يتكرر على مظاهر، لا بطريق المخالطة، ويتكرر في النواظر، لا بطريق الانقسام، فلا حلول منا، ولا اتحاد؛ لعدم الاثنينية والغيرية، وكلامهم في


= حجاب، ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرج به إلى السماء، وشهد النور الأعظم، فما تكلم رسول منهم بمثل هذا، ولا حدثنا عن الفناء أو العيان الصوفي، ولا قال واحد منهم أنه رأى الله، ولا سمعنا عن أحد منهم أنه عبد الله بغير ما أمر الله، أو غفل مرة عن أداء حق من حقوق الله، أو ادعى أن الله سبحانه أسقط عنه التكاليف، بل ما زادهم ذلك إلا إيمانا وخشية، وجدا في العمل، وكدحا في العبادة، وحبا لله وخوفا منه، ورجاء فيه سبحانه، ولم يعد المؤمنون تغرهم بالله تلك التهاويل السحرية الصوفية، ولا تلك الزمزمات المجوسية.
١ يرد الإمام بن تيمية على هؤلاء بقوله: "المطلق بشرط الإطلاق لا يتصور إذ لكل موجود حقيقة يتميز بها، وما لا حقيقة له يتميز بها فليس بشيء، فمن قال: إن وجود الحق هو الوجود المطلق دون المعين فحقيقة قوله: إنه ليس للحق وجود أصلا، ولا ثبوت إلا نفي الأشياء المعينة المتميزة، والأشياء المعينة ليست إياه، فليس شيئا أصلا. وتلخيص النكتة أنه لو عنى به المطلق بشرط الإطلاق، فلا وجود له في الخارج، فلا يكون للحق وجود أصلا، وإن عنى به المطلق بلا شرط. فإن قيل بعدم وجوده في الخارج فلا كلام، وإن قيل بوجوده فلا يوجد إلا معينا، فلا يكون للحق وجود إلا وجود الأعيان، فيلزم محذوران. أحدهما: أنه ليس للحق وجود سوى وجود المخلوقات. والثاني التناقض، وهو قوله: إنه الوجود المطلق دون المعين" باختصار عن مجموعة الرسائل والمسائل جـ٤ ص٢١ وهذا حق، فإن الوجود الطلق تجريد صرف، أو سلب خالص، فليس ثم حقيقة تتميز، ولا ذات تتحقق، وكذلك العدم، أو اللاوجود، فكأنهم يجعلون الواجب عدما، أو يقولون هو وجود ولا وجود. أما المطلق لا بشرط فلا يوجد إلا معينا مخصوصا في هذا أو ذاك، إذ ليس في الخارج شيء إلا وهو معين يتميز عما سواه بحده وماهيته وهم ينكرون تعين الوجود، إذ يسمونه مطلقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>