للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيّ شهدت الساجدين لمظهري ... فحققت أني كنت آدم سجدتي١

تعانقت الأطراف٢ عندي وانطوى ... بساط السِّوى عدلا بحكم السوية


١ قال القاشاني في شرح هذا البيت "أي: عاينت في نفسي الملائكة الساجدين لمظهري، فعلمت حقيقة أني كنت في سجدتي آدم تلك السجدة, وأن الملائكة يسجدون لي، والملائكة صفة من صفاتي، فالساجد صفة مني يسجد لذاتي. فالجمع واقع لا يدفع".
وأقول في قصة آدم، وأمر الملائكة بالسجود له، وطاعتهم لهذا الأمر، وتمرد إبليس عليه: في كل هذا ما ينقض دعاوى الصوفية في الحلول والوحدة والاتحاد؛ لأنها -أي: القصة- تثبت ربا آمرا بالسجود. وتثبت أغيارا كثيرين هم: آدم، والملائكة، وإبليس. لهذا يحاول ابن الفارض تصوير القصة. بما يتواءم وهوى زندقته، أي: بما يرفع في زعمه هذا التعدد في الوجود والذوات, ويرفع المغايرة بين الماهيات. فيقول: لا تحسبن الآمر بالسجود غير من أمروا به، أو غير من وقع الملائكة له ساجدين، أو غير من تمرد على هذا السجود، فإنهم جميعا عين واحدة هي الذات الإلهية. فالآمر هو الله باعتبار الهوية المجردة عن التعين. وآدم هو مظهر تعين الذات، أو الهوية، والملائكة هم تعينات الصفات، وكذلك إبليس، فلا تعدد في الوجود، ولا غيرية في الماهيات. فآدم هو الذات، والملائكة وإبليس هم الصفات، وما كان السجود الذي وقع سجود ذات لغيرها، بل كان من صفات لموصوفها ...
ثم ينتقل ابن الفارض من هذا التصوير الصوفي إلى تقرير أنه كان عين آدم، وكان عين الملائكة، أي: عين الذات الإلهية. وعين صفاتها. هذا هو دين سلطان العاشقين، أو قل: هذه زندقة رب الصوفيين!!
٢ يزعم أنه ليس في الوجود متناقضات ولا أضداد، ولا أغيار، بل ولا أمثال، إذ الوجود كله حقيقة واحدة. والحقيقة الواحدة لا يقال عنها: إنها تناقض أو تضاد، أو تغاير، أو تماثل نفسها، ولهذا يؤمن الزنديق أن القدم عين الحدوث والأول والفوق عين التحت، والنور عين الظلمة، والأول عين الآخر، والأزل عين الأبد، والآن عين الماضي وعين المستقبل، وهذه هي الأطراف الوجودية والمكانية والزمانية التي يزعم ابن الفارض أنها تعانقت عنده، والتي يقول بعدها أنه حين رأى النقيض عين نقيضه، والضد والغير نفس ضده وغيره، انجلت عن بصيرته أوهام السوية، والغيرية، فبدت له الحقيقة التي غلفتها بالستر أوهامه. تلك هي أن الوجود حقيقة واحدة، وأن الخالق عين الخلق، وأنه هو الله!! هذا هو دين إله الصوفية العاشق.

<<  <  ج: ص:  >  >>