للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها قيس لبنى هام، بل كل عاشق ... كمجنون ليلى، أو كثير عزة

فكل صبا منهم إلى وصف لبسها ... لصورة حسن لاح في حسن صورة

وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر ... فظنوا سواها، وهي فيها١ تجلت

بدت باحتجاب، واختفت بمظاهر ... على صبغ التلوين في كل برزة٢

ففي النشأة الأولى تراءت لآدم ... بمظهر حوا قبل حكم الأمومة

فهام بها كيما يصير بها أبا ... ويظهر بالزوجين حكم٣ النبوة

وما برحت تبدو وتخفى لعلة ... على حسب الأوقات في كل حقبة

وتظهر للعشاق في كل مظهر ... من اللبس في أشكال حسن بديعة

ففي مرة لبنى، وأخرى بثينة ... [٢٥] وآونة تدعى بعزة عزت

ولسن سواها، لا. ولا كن غيرها ... وما إن لها في حسنها من شريكة٤

كذاك بحكم الاتحاد بحسنها ... كمالي بدت في غيرها، وتزيت

بدوت لها في كل صب متيم ... بأي بديع حسنه، وبأيت٥


١ في الأصل: فيهم، والتصويب من الديوان.
٢ البرزة: المرة من البروز، أو المرأة العفيفة تبرز للرجال، وتتحدث معهم وإخاله يريد بها هذا، إذ هو بصدد ذكر تجلي الحقيقة الإلهية في صور النساء.
٣ في الأصل: سر.
٤، ٥ يفتري سلطان الزنادقة أن الذات الإلهية تتجلى -أتم وأجمل مما تتجلى- في صور النساء الجميلات، ويفتري أنها تجلت في صور ليلى وبثينة وعزة، وقد رمز بهن عن كل امرأة جميلة عاشقة معشوقة، ولما كان من طبيعة هذا الرب الصوفي العشق، كان لا بد له من التجلي في صور عشاق، ليعشق، ويعشق، فتجلى في صور قيس وجميل وكثير عشاق أولئك الغانيات. وقد رمز بهم عن كل فتى اختبله الحب وتيمته الصبابة، ثم يفتري أيضا الزعم بأن العاشق ليس غير العشيقة بل هو هي، فالرب الصوفي عشق وعاشق وعشيقة. فليلى وقيس مثلا عند ابن الفارض هما الرب تعينت ذاته في صورة امرأة تعشق وتعشق هي ليلى، وفي صورة رجل يعشق ويعشق هو قيس. وليتأمل القارئ معي. فابن الفارض حين يتحدث عن الذات الإلهية باعتبارها حقا يحكم بأنها تظهر في صور نساء، وإذا تحدث عنها باعتبار تعينها فيه يحكم بأنها تظهر في صور رجال، يريد بهذا أن يفضل الرب المتعين فيه على الرب المتعين في غيره، أو بتعبير أبين صراحة، يفضل نفسه على الرب الذي يظهر في صورة امرأة, ويجعل من نفسه قيما عليه، فالرجال -كما لا يخفى- قوامون على النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>