للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَوْله تَعَالَى: {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا} أَي: أخْلص دينك لله، وَإِقَامَة الْوَجْه هُوَ إِقَامَة الدّين، وَقد بَينا معنى الحنيف.

وَقَوله: {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} أما نصب الْفطْرَة على الإغراء أَي: الزم فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا، وَاخْتلفُوا فِي هَذِه الْفطْرَة، فَمنهمْ من قَالَ: إِن الْفطْرَة هَاهُنَا بِمَعْنى الدّين.

وَقَوله: {فطر النَّاس عَلَيْهَا} أَي: خلق النَّاس عَلَيْهَا، وَيُقَال هَذَا القَوْل عَن ابْن عَبَّاس والكلبي وَمُقَاتِل وَغَيرهم. وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ".

وَثَبت أَيْضا عَن النَّبِي أَنه قَالَ فِيمَا يحْكى عَن ربه أَنه قَالَ: " خلقت عبَادي حنفَاء فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِين عَن دينهم ".

فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا على أصولكم، وعندكم أَن الله تَعَالَى خلق النَّاس صنفين: مُؤمنين، وكافرين؟ هَذِه الْآيَة وَالْأَخْبَار تدل على أَن الله تَعَالَى خلق عباده مُؤمنين؛ وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الله تَعَالَى أخرج ذُرِّيَّة آدم من صلبه، وخاطبهم بقوله: {أَلَسْت بربكم} فأقروا بالعبودية وَالْإِيمَان، فَالنَّاس يولدون على ذَلِك، وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن أهل الْعلم اخْتلفُوا فِي هَذَا، فَحكى النّحاس فِي تَفْسِيره عَن ابْن الْمُبَارك: أَن الْآيَة فِي الْمُؤمنِينَ خَاصَّة، وَحكى أَبُو (عبيد) فِي غَرِيب الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه قَالَ: هَذَا قبل نزُول الْأَحْكَام وَالْأَمر بِالْجِهَادِ، كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن الْآيَة مَنْسُوخَة، ثمَّ ذكر النّحاس أَن كلا الْمَعْنيين ضَعِيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>