للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو يصرح بأن نظرته تنبني على ما تقرر في علم الكلام، وهو يعني دون شك علم الكلام الأشعري. ففي المقدمة العاشرة يقرر -كما يقرر ذلك كل مسلم- أنه: "إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية، فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعًا، ويتأخر العقل فيكون تابعًا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل١. ثم استدل على ذلك بأدلة منها: "ما تبين في علم الكلام والأصول، من أن العقل لا يحسن ولا يقبح٢ بمعنى أنه لا يقدر -ولا يملك الحق- في أن يحكم على الأشياء والأفعال بأنها حسنة أو قبيحة، أي بأنها مصلحة أو مفسدة.

وأما لماذا كان العقل غير قادر على التحسين والتقبيح، فلأن الأشياء والأفعال -حسب النظرية الأشعرية - ليست حسنة ولا قبيحة في حد ذاتها. فكيف يدرك العقل شيئًا "غير موجود" أعني حسن الأشياء وقبحها، أي صلاحها وفسادها.

فليس عندهم شيء حسن إلا بتحسين الشرع له، وليس عندهم شيء قبيح إلا بتقبيح الشرع له. أما بدون تحسين الشرع وتقبيحه، فلا حسن ولا قبح. وكل الأمور على حد سواء. وهذا بالضبط ما يردده الشاطبي، حيث يقول: "كون المصلحة مصلحة تقصد بالحكم، والمفسدة مفسدة كذلك، مما يختص بالشارع، لا مجال للعقل فيه، بناء على قاعدة نفي التحسين والتقبيح. فإذا كان الشارع قد شرع الحكم لمصلحة ما، فهو الواضع لها كمصلحة. وإلا فكان يمكن -عقلًا- أن لا تكون كذلك. إذ الأشياء كلها بالنسبة إلى وضعها الأول متساوية لا قضاء للعقل فيها بحسن ولا قبح. فإذًا، كون المصلحة مصلحة هو من قبل الشارع، بحيث يصدقه العقل وتطمئن إليه النفس"٣.


١ الموافقات، ١/ ٨٧.
٢ الموافقات، ١/ ٨٧.
٣ الموافقات، ٢/ ٣١٥.

<<  <   >  >>