للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما النقطة الأولى، فالمقصود بها ما هو معلوم ومسلم من أن كثيرًا من المصالح تتغير بتغير الأزمان وتغير الأحوال. وهذا التغير من شأنه أن يؤثر تأثيرًا ما، على الأحكام الشرعية التي نيطت بتلك المصالح.

وههنا لا بد للمجتهد من اليقظة والبصيرة والنظر العميق، حتى يميز ما هي المصالح والمفاسد التي تغيرت أوضاعها، وآثارها تغيرًا حقيقيًا، وهل ذلك التغير يستدعي مراجعة أحكامها ويقتضي تعديلها، وإلى أي حد ينبغي أن يصل ذلك التعديل.

ولا شك أن هذا مرتقى صعب، ولكن لا مفر منه للعلماء. وإلا ضاعت مقاصد الشريعة، وربما حتى رسومها. وأحسب أن كلا قد وقع، والعرب بالباب!

والحقيقة أن التهرب من اقتحام هذه العقبة وصعود هذا المرتقى، ثم إغلاق هذا الباب من أبواب الاجتهاد، قد أربك الفقه الإسلامي، وأضر بمسيرته الطبيعية، وأعجزه -في كثير من الحالات- عن الهيمنة على المجتمعات الإسلامية واستيعاب قضاياها وتطوراتها، وحفظ حاجاتها ومصالحها. وتسبب -مع أسباب أخرى طبعًا- في انسلاخ كثير من مرافق الحياة العامة والخاصة، عن أحكام الشريعة.

وهذا هو الذي فتح الباب للطوفي قديمًا، ثم انفتح على مصراعيه حديثًا، للتوهم والزعم بأن النصوص قد تعارض المصلحة، وينبغي -في هذه الحالة- تقديم المصلحة على النصوص بدعوى أن حفظ المصلحة هو مقصود النصوص وغايتها.

ولقد بلغ بالطوفي حماسه للاعتداد بالمصلحة، إلى ما يشبه العمى حين زعم "أن النصوص مختلفة متعارضة، فهي سبب الخلاف في الأحكام، المذموم شرعًا، ورعاية المصلحة أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه. فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعًا. فكان اتباعه أولى"١.


١ انظر نص كلامه وتمامه في كتاب مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، للأستاذ عبد الوهاب خلاف، ص١٢٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>