للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالأمر الأول: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ، أمر ابتدائي، مقصود بالقصد الأول، فهو دال على قصد الشارع إلى حمل الناس على تحقيق المأمور به. بينما الأمر الثاني -وهو نفي في نفس الوقت- {وَذَرُوا الْبَيْع} ، ليس أمرًا ابتدائيا، بل هو أمر تبغي قصد به تعضيد الأمر الأول. فهو مقصود بالقصد الثاني. فلا يصح أن يستدل به على قصد الشارع إلى منع البيع. بخلاف الأمر الأول، فيعبر عن قصد الشارع، ويدل عليه.

والقيد الثاني، وهو أن يكون الأمر -أو النهي- تصريحيا، أراد به إخراج الأمر -أو النهي- الذي يكون ضمنيا، لأنه أيضًا لا يكون مقصودًا إلا بالقصد الثاني، على سبيل التعضيد والتأكيد للأمر -أو النهي- الصريح. ومن هذا القبيل كل ما يكون مطلوبا من باب "ما لا يتم الواجب إلا به". فما كان من هذا القبيل، فهو من الوسائل لا من المقاصد، أو هو من المقصود بالثاني التبعي. كالأمر بالحج، مع ما يستلزمه. فالأمر بالحج صريح، والأمر بأخذ مستلزماته والقيام بها أمر ضمني. فالأول مقصود بالقصد الأول، والثاني مقصود بالقصد التبعي.

إذًا، فالأوامر والنواهي، إذا جاءت ابتدائية تصريحية، دلت على مقصود الشارع: الأوامر تدل على القصد إلى حصول المأمورات. والنواهي تدل على القصد إلى منع حصول المنهيات، "فهذا وجه ظاهر عام، لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي، من غير نظر إلى علة، ولمن اعتبر العلل والمصالح، وهو الأصل الشرعي١ بمعنى أن الوقوف عند مجرد الأمر والنهي، واعتباره مقصودًا للشارع، يسع الظاهري والمعلل. فالأول هذا شأنه، فلا إشكال. والثاني -وإن كان ينظر إلى علل الأحكام ومصالحها- فإن عللها ومصالحها منوطة بالأمر والنهي. فالوقوف عندهما محقق لها.

وهذا لا يعني عدم اتباع العلل، وعدم اعتمادها في تحديد مقاصد الشارع وعدم تحكيمها في ظواهر النصوص. بل العلة "إن كانت معلومة اتبعت، فحيث


١ الموافقات، ٢/ ٣٩٣.

<<  <   >  >>