للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عائشة رضي الله عنها: "ألم ترى أن قومك حين بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم". قالت: فقلت يا رسول الله، أفلا تردها على قواعد إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت" ١.

وعندما بال أعرابي في المسجد وقام الصحابة لزجره ومنعه، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزرموه ٢، دعوه" ٣ إلى آخر الحديث.

فلولا مراعاة المآلات والنتائج، لوجب قتل المنافقين، وإعادة بناء البيت على قواعد إبراهيم، ومنع الأعرابي من إتمام عمله المنكر الشنيع. ولكن الأول كان سيفضي إلى نفور الناس من الإسلام، خشية أن يقتلوا بتهمة النفاق، والثاني يؤدي إلى اعتقاد العرب أن النبي يهدم المقدسات ويغير معالمها، والثالث ليس فيه إلا أن ينجس البائل جسمه وثوبه، وربما نجس مواضع أخرى من المسجد، وربما كان ضرر صحي عليه.

ومن فتاوي هذا الباب: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، حين جاءه رجل يسأله: ألمن قتل مؤمنًا متعمدًا توبة؟ قال: لا، إلا النار، فلما ذهب السائل قيل لابن عباس: أهكذا كنت تفتينا؟! كنت تفتينا أن لمن قتل توبة مقبولة. قال إني لأحسبه رجلًا مغضبًا يريد أن يقتل مؤمنًا. فلما تبعوه وحققوا في الأمر وجدوه كذلك٤.

وجاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل، فسألته عن امرأة فجرت فحبلت فلما ولدت قتلت ولدها؟ فقال ابن مغفل: ما لها؟! لها النار.

فانصرفت وهي تبكي، فدعاها ثم قال: ما أرى أمرك إلا أحد أمرين: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} قال: فمسحت عينيها ثم مضت٥.


١ هذه رواية الموطأ: ١/ ٣٦٣.
٢ أي لا تقطعوه عن بوله.
٣ رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
٤ تفسير القرطبي: ٤/ ٩٧.
٥ جامع البيان للطبري، عند تفسير الآية المذكورة "النساء: ١١٠".

<<  <   >  >>