للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النسبة تشير إلى الدور التأسيسي، الذي اضطلع به ذلك الشخص، وإلى أن ذلك الشخص هو صاحب النظريات والأسس التي قام عليها ذلك المذهب.

ولكن الأمر يختلف في نسبة المذهب المالكي إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله. ذلك أنه لم يؤسس مذهبه، ولم يضع أصوله وقواعده. وإنما وجد كل ذلك جاهزًا مستقرا، وورثه تاما ناضجًا، فسار عليه، واجتهد في إطاره. ومن هنا فإن قولنا: "المذهب المالكي" لا يكون سليمًا إلا بمعنى أن المذهب المالكي هو المذهب الذي ينتسب إليه مالك، وليس المذهب الذي ينسب إلى مالك.

وبيان ذلك أن الإمام مالكًا -كما هو معلوم- ورث علم علماء المدينة، وبه كان يفتي، وعليه كان يبني. و"الموطأ" خير شاهد على هذا، فهو مليء بمثل هذه العبارات: الأمر المجتمع عليه عندنا، والأمر عندنا، وببلدنا، وأدركت أهل العلم، والسنة عندنا، وسمعت أهل العلم، والذي أدركت عليه الناس، وهذا أحب ما سمعت، أو أحسن ما سمعت.

وكلها عبارات صريحة في أن الإمام كان يصدر عن "مذهب" قائم مستقر، علمًا وعملًا, وهذا أمر مقرر معلوم عند الدارسين لتاريخ الفقه الإسلامي. ومما هو معلوم ثابت أيضًا، أن هذا "المذهب" ليس إلا ما ورثه أتباع التابعين -ومنهم مالك- عن التابعين، وورثه هؤلاء عن الصحابة، وذلك في تسلسل جماعي، ومن خلال الرواية والتطبيق معًا.

ولنتأمل هذا النص الذي نقله ابن فرحون في "الديباج" "ص٢٥" حيث جاء فيه: "وقال ابن أبي أويس: قيل لمالك: قولك في الكتاب: الأمر المجتمع عليه، والأمر عندنا وببلدنا، وأدركت أهل العلم، وسمعت بعض أهل العلم. فقال: أما أكثر ما في الكتاب فرأي، فلعمري ما هو برأي، ولكن سماع من غير واحد من أهل العلم والفضل والأئمة المهتدى بهم الذين أخذت عنهم، وهم الذين كانوا يتقون الله تعالى، فكثر علي فقلت رأيي وذلك رأيي، إذ كان رأيهم رأي الصحابة الذين أدركوهم عليه، وأدركتهم أنا على ذلك. فهذا وراثة توارثوها قرنا عن قرن إلى زماننا. وما كان رأيا فهو رأي جماعة ممن تقدم من الأئمة. وما كان.

<<  <   >  >>