للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اخْتِلَافُ عِبَارَاتِ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمَثَلِ الْأَعْلَى]

وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمَثَلِ الْأَعْلَى. وَوَفَّقَ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ بَعْضُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَهَدَاهُ، فَقَالَ: الْمَثَلُ الْأَعْلَى يَتَضَمَّنُ: الصِّفَةَ الْعُلْيَا، وَعِلْمَ الْعَالَمِينَ بِهَا، وَوُجُودَهَا الْعِلْمِيَّ، وَالْخَبَرَ عَنْهَا وَذِكْرَهَا، وَعِبَادَةَ الرَّبِّ تَعَالَى بِوَاسِطَةِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ الْقَائِمَةِ بِقُلُوبِ عَابِدِيهِ وَذَاكِرِيهِ.

فَهَاهُنَا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ:

[الْأَوَّلُ] : ثُبُوتُ الصِّفَاتِ الْعُلْيَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، سَوَاءً عَلِمَهَا الْعِبَادُ أَوْ لَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَهَا بِالصِّفَةِ.

الثَّانِي: وُجُودُهَا فِي الْعِلْمِ وَالشُّعُورِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: إِنَّهُ مَا فِي قُلُوبِ عَابِدِيهِ وَذَاكِرِيهِ، مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَذِكْرِهِ، وَمَحَبَّتِهِ وَجَلَالِهِ، وَتَعْظِيمِهِ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ. وَهَذَا الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْمَثَلِ الْأَعْلَى لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ أَصْلًا، بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا اخْتَصَّ بِهِ فِي ذَاتِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ مَعْنَاهُ: أَهْلُ السَّمَاوَاتِ يُعَظِّمُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مَنْ أَشْرَكَ، وَعَصَاهُ مَنْ عَصَاهُ، وَجَحَدَ صِفَاتِهِ مَنْ جَحَدَهَا، فَأَهْلُ الْأَرْضِ مُعَظِّمُونَ لَهُ، مُجِلُّونَ، خَاضِعُونَ لِعَظَمَتِهِ، مُسْتَكِينُونَ لِعِزَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: ٢٦] (الرُّومِ: ٢٦) .

الثَّالِثُ: ذِكْرُ صِفَاتِهِ وَالْخَبَرُ عَنْهَا وَتَنْزِيهُهَا مِنَ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ وَالتَّمْثِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>