للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَبْطَ قَوَاعِدِهَا، وَشَدَّ مَعَاقِدِهَا، وَهِمَمُهُمْ مُشَمَّرَةً إِلَى الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَالْمُتَأَخِّرُونَ فِي شَأْنٍ، وَالْقَوْمُ فِي شَأْنٍ آخَرَ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا.

وَقَدْ شَرَحَ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ بَعْضَ الشَّارِحِينَ قَدْ أَصْغَى إِلَى أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ، وَاسْتَمَدَّ مِنْهُمْ، وَتَكَلَّمَ بِعِبَارَاتِهِمْ.

[كَرَاهَةُ السَّلَفِ التَّكَلُّمَ بِأَلْفَاظٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ]

وَالسَّلَفُ لَمْ يَكْرَهُوا التَّكَلُّمَ بِالْجَوْهَرِ وَالْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ اصْطِلَاحًا جَدِيدًا عَلَى مَعَانٍ صَحِيحَةٍ، كَالِاصْطِلَاحِ عَلَى أَلْفَاظٍ لِعُلُومٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا كَرِهُوا أَيْضًا الدَّلَالَةَ عَلَى الْحَقِّ وَالْمُحَاجَّةِ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ، بَلْ كَرِهُوهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أُمُورٍ كَاذِبَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْحَقِّ، وَمِنْ ذَلِكَ مُخَالَفَتُهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِهَذَا لَا تَجِدُ عِنْدَ أَهْلِهَا مِنَ الْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَ عَوَامِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَضْلًا عَنْ عُلَمَائِهِمْ.

وَلِاشْتِمَالِ مُقَدِّمَاتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، كَثُرَ الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ، وَانْتَشَرَ الْقِيلُ وَالْقَالُ، وَتَوَلَّدَ لَهُمْ عَنْهَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ الصَّحِيحِ وَالْعَقْلِ الصَّرِيحِ مَا يَضِيقُ عَنْهُ الْمَجَالُ. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ زِيَادَةُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ. . . ".

وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَشْرَحَهَا سَالِكًا طَرِيقَ السَّلَفِ فِي عِبَارَاتِهِمْ، وَأَنْسُجَ عَلَى مِنْوَالِهِمْ، مُتَطَفِّلًا عَلَيْهِمْ، لَعَلِّي أَنْ أُنْظَمَ فِي سِلْكِهِمْ، وَأُدْخَلَ فِي عِدَادِهِمْ، وَأُحْشَرَ فِي زُمْرَتِهِمْ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] (النِّسَاءِ: ٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>