للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَيَوَانَاتِ بِخَلْقِهَا، لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْدِرُ عَلَى أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَمْ لَا؟ !

وَقَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ بِهَا صَارُوا مُطِيعِينَ وَعُصَاةً، وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنْفَرِدٌ بِخَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ، لَا خَالِقَ لَهَا سِوَاهُ. فَالْجَبْرِيَّةُ غَلَوْا فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، فَنَفَوْا صُنْعَ الْعَبْدِ أَصْلًا، كَمَا عَمِلَتِ الْمُشَبِّهَةُ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، فَشَبَّهُوا. وَالْقَدَرِيَّةُ نُفَاةُ الْقَدَرِ جَعَلُوا الْعِبَادَ خَالِقِينَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِهَذَا كَانُوا مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ أَرْدَأُ مِنَ الْمَجُوسِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَجُوسَ أَثْبَتُوا خَالِقَيْنِ، وَهُمْ أَثْبَتُوا خَالِقِينَ! !

وَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلَ السُّنَّةِ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَكُلُّ دَلِيلٍ صَحِيحٍ يُقِيمُهُ الْجَبْرِيُّ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مِنْ جُمْلَةِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِفَاعِلٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا مُرِيدٍ وَلَا مُخْتَارٍ، وَأَنَّ حَرَكَاتِهِ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِمَنْزِلَةِ حَرَكَةِ الْمُرْتَعِشِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَحَرَكَاتِ الْأَشْجَارِ.

وَكُلُّ دَلِيلٍ صَحِيحٍ يُقِيمُهُ الْقَدَرِيُّ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُ مُرِيدٌ لَهُ مُخْتَارٌ لَهُ حَقِيقَةً، وَأَنَّ إِضَافَتَهُ وَنِسْبَتَهُ إِلَيْهِ إِضَافَةُ حَقٍّ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ وَاقِعٌ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

فَإِذَا ضَمَمْتَ مَا مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحَقِّ إِلَى حَقِّ الْأُخْرَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>