للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ.

قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: السَّيِّدُ أَحَدُ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ فَلَا يُقَالُ لِتَمِيمِيٍّ إِنَّهُ سَيِّدُ كِنْدَةَ وَلَا يُقَالُ لِمَلِكٍ إِنَّهُ سَيِّدُ الْبَشَرِ، قِيلَ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اللَّهِ هَذَا الِاسْمُ.

قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهُوَ بِمَعْنَى الْمَالِكِ وَالْمَوْلَى وَالرَّبِّ لَا بِمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوقِ ((وَرَدْ)) بِالْأَسَانِيدِ الْمَقْبُولَةِ وَدَوَّنَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ الْمَشْهُورَةِ ((مِنْ أَمْرِ)) أَيْ مِنْ أُمُورِ ((هَذَا الْبَابِ)) الَّذِي مَنَاطُهُ السَّمْعُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ فَكُلُّ ذَلِكَ ((حَقٌّ)) يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ صَحَّتْ بِهِ النُّقُولُ وَلَمْ تَرُدَّهُ الْعُقُولُ وَإِنْ عَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إِدْرَاكِهِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَأْتِي بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالَاتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بَيِّنٌ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي تَبَصُّرٍ ((لَا يُرَدْ)) مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِثُبُوتِهِ عَنِ الْمَعْصُومِ وَصِحَّتِهِ عَنْ رَسُولِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، فَمَنْ تَصَدَّى لِرَدِّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَقَدْ أَخْطَأَ الصَّوَابَ وَضَلَّ وَخَابَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالِارْتِيَابِ، فَإِنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ وَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي تَعْرِيفِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ وَتَكْمِيلِ مَا يُصْلِحُهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَبُعِثُوا جَمِيعًا بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَتَعْرِيفِ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ وَبَيَانِ حَالِهِمْ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.

فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ: إِثْبَاتُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَذِكْرُ أَيَّامِ اللَّهِ فِي أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ وَهِيَ الْقَصَصُ الَّتِي قَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَالْأَمْثَالُ الَّتِي ضَرَبَهَا لَهُمْ.

وَالْأَصْلُ الثَّانِي: يَتَضَمَّنُ تَفْصِيلَ الشَّرَائِعِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِبَاحَةِ وَبَيَانَ مَا يُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ.

وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي قَاعِدَةٍ لَهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِصَامِ بِالرِّسَالَةِ: عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ مَدَارُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ وَالسَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهَا وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَفَاصِيلِهَا وَمَعْرِفَةِ حَقَائِقِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُدْرِكُ وَجْهَ الضَّرُورَةِ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْمَرِيضِ الَّذِي يُدْرِكُ وَجْهَ الْحَاجَةِ إِلَى الطِّبِّ وَمَنْ يُدَاوِيهِ وَلَا يَهْتَدِي إِلَى تَفَاصِيلِ الْمَرَضِ وَتَنْزِيلِ الدَّوَاءِ عَلَيْهِ، وَحَاجَةُ الْعَبْدِ إِلَى الرِّسَالَةِ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ حَاجَةِ الْمَرِيضِ إِلَى الطَّبِيبِ فَإِنَّ آخِرَ مَا يُعَذَّبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>