للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الثَّانِيَةُ) يُعْطَى الْكَافِرُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ بِأَنْ تُخْلَعَ أَوْ يُدْخِلَهَا مِنْ صَدْرِهِ أَوْ تُلْوَى، وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ الْعَاصِي كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ أَمَامِهِ، وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ الطَّائِعُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ مِنْ أَمَامِهِ.

وَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْفَاسِقَ الَّذِي مَاتَ عَلَى فِسْقِهِ دُونَ تَوْبَةٍ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ حَكَى قَوْلًا بِالْوُقُوفِ قَالَ: وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِشِمَالِهِ.

وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ عَمْرٍو مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: اخْتُلِفَ فِي عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ، فَقِيلَ: يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَقِيلَ بِشَمَائِلِهِمْ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا بِأَيْمَانِهِمْ قِيلَ: يَأْخُذُونَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي النَّارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى عَدَمِ خُلُودِهِمْ فِيهَا، وَقِيلَ يَأْخُذُونَهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثَةُ)

وَرَدَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ: أَوَّلُ مَنْ يُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَلَهُ شُعَاعٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَعْدَهُ أَبُو سَلَمَةَ. انْتَهَى.

وَرُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَخُو أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، رُوِيَ أَنَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ لِيَأْخُذَهُ بِيَمِينِهِ، فَيَجْذِبُهُ مَلَكٌ فَيَخْلَعُ يَدَهُ، فَيَأْخُذَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ خَلَعَ يَدَ سَلَمَةَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ، فَمَنَعَ بَنُو الْمُغِيرَةِ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تَسِيرَ مَعَ أَبِي سَلَمَةَ، وَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذُوهَا مِنْهُ، فَغَضِبَ رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ وَهُمْ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، فَاجْتَذَبُوا ابْنَهُ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَ مِنْ أُمِّهِ حَيْثُ أَخَذَهَا رَهْطُهَا، وَلَمْ يَدَعُوهَا تَسِيرُ مَعَ أَبِي سَلَمَةَ فَخَلَعُوا يَدَ الْغُلَامِ - الْقِصَّةَ.

فَجُوزِيَ الْأَسْوَدُ بِخَلْعِ يَدِهِ، فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ:

إِذَا وَقَفَ النَّاسُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ مِنَ الصُّحُفِ الَّتِي يُؤْمَرُ بَعْدَ الْبَعْثِ حُوسِبُوا بِهَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ:

قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكَعْبٍ حَدِّثْنَا مِنْ حَدِيثِ الْآخِرَةِ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رُفِعَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ إِلَّا، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عَمَلِهِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالصُّحُفِ الَّتِي فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ، فَتُنْشَرُ حَوْلَ الْعَرْشِ ثُمَّ يُدْعَى الْمُؤْمِنُ، فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَيَنْظُرُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>