للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَا يَمْلِكُهَا وَهُوَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ وَقَدِ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ: حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حِجْرِهَا فَلَا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا، وَلَا تَسْكُنُ حَسْرَتُهَا. وَأَنْشَدَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ مِنْ نَظْمِ الْإِمَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَصْفِ نَفْسِهِ:

إِذَا الْمُشْكِلَاتُ تَصَدَّيْنَ لِي ... كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرْ

وَإِنْ بَرَقَتْ فِي مَحَلِّ الصَّوَا ... بِ عَمْيَاءُ لَا يَجْتَلِيهَا الْبَصَرْ

مُقَنَّعَةٌ بِغُيُوبِ الْأُمُورِ ... وَضَعْتُ عَلَيْهَا صَحِيحَ الْفِكَرْ

لِسَانِي كَشَقْشَقَةِ الْأَرْحَبِيِّ ... أَوْ كَالْحُسَامِ الْيَمَانِيِّ الذَّكَرْ

وَفِي الطُّيُورِيَّاتِ قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نَسْمَعُكَ تَقُولُ فِي الْخُطْبَةِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْنَا بِمَا أَصْلَحْتَ بِهِ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، فَمَنْ هُمْ؟ فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ قَالَ: هُمْ أَحِبَّائِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ إِمَامَا الْهُدَى وَشَيْخَا الْإِسْلَامِ، رَجُلَا قُرَيْشٍ وَالْمُقْتَدَى بِهِمَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنِ اقْتَدَى بِهِمَا عُصِمَ، وَمَنِ اتَّبَعَ آثَارَهُمَا هُدِيَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا فَهُوَ فِي حِزْبِ اللَّهِ.

وَالْإِمَامُ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ عِلْمَ النَّحْوِ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيِّ فِي أَمَالِيهِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَيْتُهُ مُفَكِّرًا، قُلْتُ: فِيمَ تُفَكِّرُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ بِبَلَدِكُمْ هَذَا لَحْنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ كِتَابًا فِي أُصُولِ الْعَرَبِيَّةِ. فَقُلْتُ: إِنْ فَعَلْتَ هَذَا أَحْيَيْتَنَا وَبَقِيتْ فِينَا هَذِهِ اللُّغَةُ. ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَأَلْقَى إِلَيَّ صَحِيفَةً فِيهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْكَلَامُ كُلُّهُ اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ، فَالِاسْمُ مَا أَنْبَأَ عَنِ الْمُسَمَّى، وَالْفِعْلُ مَا أَنْبَأَ عَنْ حَرَكَةِ الْمُسَمَّى، وَالْحَرْفُ مَا أَنْبَأَ عَنْ مَعْنًى لَيْسَ بِاسْمٍ وَلَا فِعْلٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ يَا أَبَا الْأَسْوَدِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةٌ: ظَاهِرٌ وَمُضْمَرٌ وَشَيْءٌ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَلَا مُضْمَرٍ، ثُمَّ قَالَ: تَتَبَّعْهُ وَانْحُ نَحْوَهُ وَزِدْ فِيهِ. وَهَذَا مَشْهُورٌ وَمَا تُحِيطُ الدَّفَاتِرُ بِالْبَحْرِ الْخِضَمِّ، وَالشَّيْءِ الْأَعَمِّ وَالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَرَكْنَاهُ كَقَطْرَةِ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ لُجِّيٍّ، أَوْ كَرَمْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ رِمَالٍ فَيْحَةٍ.

وَرُوِيَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>