للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَوَفِي ذَلِكَ شَكٌّ؟ فَقِيلَ لَهُ: وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِمَّنْ أَقْتَدِي بِهِ يُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ. انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: أَوَفِي ذَلِكَ شَكٌّ؟ يُرِيدُ مَا سَنُحَرِّرُهُ أَنَّ تَفْضِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى بَقِيَّةِ الْأُمَّةِ قَطْعِيٌّ، نَعَمْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ التَّوَقُّفِ إِلَى تَفْضِيلِ عُثْمَانَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ نَقَلَ التَّوَقُّفَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَابْنُ مَعِينٍ، قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَمَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَعَرَفَ لِعَلِيٍّ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى عُثْمَانَ وَلَمْ يَعْرِفْ لِعَلِيٍّ فَضْلَهُ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَمِنْ ثَمَّ يَعْلَمُ أَنَّ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَدْخُولٌ بَلِ الْخِلَافُ مَعْلُومٌ، نَعَمْ مُعْتَمَدُ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى نَسَقِ تَرْتِيبِ الْخِلَافَةِ، وَهَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ التَّفْضِيلَ فِي طَرَفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَطْعِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ ظَنِّيٌّ كَمَا عِنْدَ الْبَاقِلَّانِيِّ وَغَيْرِهِ.

(الرَّابِعُ) سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو زُرْعَةَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَمَّنِ اعْتَقَدَ فِي الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَفْضَلِيَّةَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْلُومِ وَلَكِنْ يُحِبُّ أَحَدَهُمْ أَكْثَرَ هَلْ يَأْثَمُ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَدْ تَكُونُ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَقَدْ تَكُونُ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، فَالْمَحَبَّةُ الدِّينِيَّةُ لَازِمَةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ فَمَنْ كَانَ أَفْضَلَ كَانَتْ مَحَبَّتُنَا الدِّينِيَّةُ لَهُ أَكْثَرَ، فَمَتَى اعْتَقَدْنَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَفْضَلُ ثُمَّ أَحْبَبْنَا غَيْرَهُ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ أَكْثَرَ كَانَ تَنَاقُضًا، نَعَمْ إِنْ أَحْبَبْنَا غَيْرَ الْأَفْضَلِ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّةِ الْأَفْضَلِ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ كَقَرَابَةٍ وَإِحْسَانٍ وَنَحْوِهِ فَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ وَلَا امْتِنَاعَ، فَمَنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ، لَكِنَّهُ أَحَبَّ عَلِيًّا أَكْثَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا فَإِنْ كَانَتِ الْمَحَبَّةُ الْمَذْكُورَةُ مَحَبَّةً دِينِيَّةً فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ، إِذِ الْمَحَبَّةُ الدِّينِيَّةُ لَازِمَةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا قَرَّرْنَا وَهَذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِأَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا بِلِسَانِهِ، وَأَمَّا بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُفَضِّلٌ لِعَلِيٍّ لِكَوْنِهِ أَحَبَّهُ مَحَبَّةً دِينِيَّةً زَائِدَةً عَلَى مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَحَبَّةُ الْمَذْكُورَةُ مَحَبَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>