للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ فِي هَذَا فَقَالَ: تَكُونُ مَعْذِرَةً، وَهَذَا كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى الْمُعْتَدِينَ فِي السَّبْتِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِمَنْ قَالَ لَهُمْ: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: ١٦٤] وَقَدْ وَرَدَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالِانْتِفَاعِ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ «عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: ١٠٥] ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ» ". وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: وَيَجُوزُ الْإِنْكَارُ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَإِنْ خَافَ أَذًى، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ يَجِبْ، وَلَا يَجِبُ الْإِنْكَارُ فِيمَا فَاتَ وَمَضَى إِلَّا فِي الْعَقَائِدِ وَالْآرَاءِ.

(الرَّابِعُ) الَّذِي يَجِبُ إِنْكَارُهُ مِنَ الْمُنْكَرِ هُوَ مَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَجِبُ إِنْكَارُهُ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَوْ مُقَلِّدًا لِمُجْتَهِدٍ تَقْلِيدًا سَائِغًا، وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مَا ضَعُفَ فِيهِ الْخِلَافُ وَكَانَ ذَرِيعَةً إِلَى مَحْظُورٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَإِنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الزِّنَا الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُتْعَةَ هِيَ الزِّنَا صُرَاحًا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ لَا يُفْسَخُ نِكَاحٌ حَكَمَ بِهِ قَاضٍ إِذَا كَانَ قَدْ تَأَوَّلَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَضَى لِرَجُلٍ بِعَقْدِ مُتْعَةٍ، وَالْمَنْصُوصُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْإِنْكَارُ عَلَى اللَّاعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ لَعِبَ بِهَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ سَائِغٍ، وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ أَيْضًا أَنْ يُحَدَّ شَارِبُ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَإِقَامَةُ الْحَدِّ أَبْلَغُ مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُنْكِرُ كُلَّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ضَعُفَ الْخِلَافُ فِيهِ لِدَلَالَةِ السُّنَّةِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَاعِلُهُ الْمُتَأَوِّلُ مِنَ الْعَدَالَةِ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>