للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((جَوْهَرٌ)) ، وَالْجَوْهَرُ هُوَ الْعَيْنُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ لَا فِعْلًا وَلَا وَهْمًا وَلَا فَرْضًا وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ لَا وُجُودَ لِلْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، أَعْنِي الْجُزْءَ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ.

وَزَعَمُوا أَنْ تَرَكُّبَ الْجِسْمِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْهَيُولِي وَالصُّورَةِ، وَأَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ كُرَةً حَقِيقَةً عَلَى سَطْحٍ حَقِيقِيٍّ لَمْ تُمَاسُّهُ إِلَّا بِجُزْءٍ غَيْرِ مُنْقَسِمٍ إِذْ لَوْ مَاسَّتْهُ بِجُزْأَيْنِ لَكَانَ فِيهَا خَطٌّ بِالْفِعْلِ فَلَمْ تَكُنْ كُرَةً حَقِيقِيَّةً. وَأَشْهَرُهَا عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُتَكَلِّمَةِ وَجْهَانِ: (الْأَوَّلُ) أَنْ لَوْ كَانَ كُلُّ عَيْنٍ مُنْقَسِمًا لَا إِلَى نِهَايَةٍ لَمْ تَكُنِ الْخَرْدَلَةُ أَصْغَرَ مِنَ الْجَبَلِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مُتَنَاهِي الْأَجْزَاءِ وَالْعِظَمُ وَالصِّغَرُ إِنَّمَا هُوَ بِكَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ وَقِلَّتِهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُتَنَاهِي، (الثَّانِي) قَالُوا: إِنَّ اجْتِمَاعَ الْجِسْمِ لَيْسَ لِذَاتِهِ وَإِلَّا لَمَا قَبِلَ الِافْتِرَاقَ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ فِيهِ الِافْتِرَاقَ إِلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي تَنَازَعُوا فِيهِ إِنْ أَمْكَنَ افْتِرَاقُهُ لَزِمَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْعَجْزِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ الْمُدَّعَى الَّذِي هُوَ وُجُودُ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَلِضَعْفِ هَذِهِ الْمَدَارِكِ لَمْ يُثْبِتْهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -، وَإِنْ كَانَ فِي إِثْبَاتِهِ نَجَاةٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ ظُلُمَاتِ الْفَلَاسِفَةِ مِثْلَ إِثْبَاتِ الْهَيُولِي وَالصُّورَةِ الْمُؤَدِّي إِلَى قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَامْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ، مِمَّا هُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالضَّرُورَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

((أَوْ لَا)) يَقُومُ بِنَفَسِهِ ((فَذَاكَ)) الَّذِي لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِغَيْرِهِ تَابِعًا لَهُ فِي التَّحَيُّزِ أَوْ مُخْتَصًّا بِهِ اخْتِصَاصَ النَّاعِتِ بِالْمَنْعُوتِ، فَهُوَ ((عَرْضٌ مُفْتَقِرٌ)) إِلَى مَحَلٍّ يَقُومُهُ، فَوُجُودُ الْعَرَضِ فِي الْمَوْضُوعِ هُوَ أَنَّ وُجُودَهُ فِي نَفْسِهِ هُوَ وُجُودُهُ فِي الْمَوْضُوعِ فَيَمْتَنِعُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ، فَالْعَرَضُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ وَيَحْمِلُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَوْجُودُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ بِهِ لَا كَجُزْءٍ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ قِوَامُهُ دُونَ مَا هُوَ مِنْهُ، وَقِيلَ: مَا يَطْرَأُ عَلَى جَوْهَرٍ مِنْ كَوْنٍ وَلَوْنٍ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِدُونِ الْمَحَلِّ كَمَا قَدْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، نَعَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَعْرَاضِ كَالْأُبُوَّةِ مَثَلًا.

((وَالْجِسْمُ مَا)) أَيْ شَيْءٌ أَوِ الَّذِي ((أُلِّفَ)) أَيْ رُكِّبَ ((مِنْ جُزْأَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>