للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْطِيلِ. انْتَهَى.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ الْحَمَوِيَّةِ: أَصْلُ مُقَالَةِ التَّعْطِيلِ لِلصِّفَاتِ إِنَّمَا أُخِذَ مِنْ تَلَامِذَةِ الْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ وَضُلَّالِ الصَّابِئِينَ. قَالَ: فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي الْإِسْلَامِ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، وَأَخَذَهَا عَنْهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَظْهَرَهَا فَنُسِبَتْ مَقَالَةُ الْجَهْمِيَّةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْجَعْدَ أَخَذَ مَقَالَتَهُ عَنْ أَبَانَ بْنِ سَمْعَانَ، وَأَخَذَهَا أَبَانُ مِنْ طَالُوتَ ابْنِ أُخْتِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ، وَأَخَذَهَا طَالُوتُ مِنْ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيِّ السَّاحِرِ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْجَعْدُ هَذَا فِيمَا قِيلَ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ، وَكَانَ فِيهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ النُّمْرُودِ الْكَنْعَانِيِّينَ، وَأَخَذَهَا أَيْضًا الْجَهْمُ عَنِ السَّمْنِيَّةِ بَعْضِ فَلَاسِفَةِ الْهِنْدِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ مِنَ الْعُلُومِ مَا سِوَى الْحِسِّيَّاتِ، فَهَذِهِ أَسَانِيدُ الْجَهْمِ تَرْجِعُ إِلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَالصَّابِئِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَالْفَلَاسِفَةِ الضَّالِّينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فرقة المشبهة]

السَّادِسَةُ الْمُشَبِّهَةُ

الَّذِينَ شَبَّهُوا اللَّهَ بِمَخْلُوقَاتِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي طُرُقِ التَّشْبِيهِ، (فَمِنْهُمْ) مُشَبِّهَةُ غُلَاةِ الشِّيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُمْ مُشَبِّهَةُ الْحَشْوِيَّةِ، قَالُوا: هُوَ - تَعَالَى - مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ، وَلَهُ أَعْضَاءٌ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَصْحَابِهِ (لَمَّا سَأَلُوهُ) أَعْفُونِي مِنَ اللِّحْيَةِ وَالْفَرْجِ، وَسَلُونِي عَمَّا وَرَاءَهُمَا، (وَمِنْهُمْ) مُشَبِّهَةُ الْكَرَّامِيَّةِ أَصْحَابُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ، وَتَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَالنُّزُولُ، فَقِيلَ: يَمْلَأُ الْعَرْشَ، وَاخْتَلَفُوا أَبِبُعْدٍ مُتَنَاهٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ (وَمِنْهُمْ) مَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْجِسْمِ.

وَفَى الْقَامُوسِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ كَرَّامٍ كَشَدَّادٍ إِمَامُ الْكَرَّامِيَّةِ، الْقَائِلُ بِأَنَّ مَعْبُودَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ جَوْهَرٌ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ. انْتَهَى. فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَرَّامٍ. نَعَمْ، الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمْشَادَ كَانَ زَعِيمَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرَّامٍ، وَكَانَ فِي دَوْلَةِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ وَأَمِينِ الْمِلَّةِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ كَبِيرِ الْقَدْرِ، عَالِي الذِّكْرِ. قَالُوا: وَتَحِلُّ الْحَوَادِثُ فِي ذَاتِهِ - تَعَالَى - وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا دُونَ الْخَارِجَةِ عَنْ ذَاتِهِ. وَيَجِبُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ خَلْقِهِ حَيًّا يَصِحُّ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>