للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقد الاستصناع

إعداد

الدكتور عبد الله محمد عبد الله

محكمة التمييز - الكويت

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

توطئة:

يمثل عقد الاستصناع في فقه الحنفية مكانة بارزة ويشغل جانبًا من اهتمام فقهائهم لذا لا نجد مؤلفا في هذا الفقه إلا ويبرز الكتابة في عقد الاستصناع اهتمامًا بشأنه ولما يقدم هذا العقد من حلول عملية للمشكلة الاقتصادية التيى تتطلب مزيدًا من التيسير وعدم الحرج على أرباب الصنائع والأموال على خلاف المذاهب الفقية الأخرى التي ربطت عقد الاستصناع بعقد السلم وفيه ما فيه من قيود على حركة التعامل إذ أن إخضاع عقد الاستصناع لعقد السلم يوجب بادئ ذي بدء تسليم رأس مال عقد السلم أو ثمن المبيع حال إنشاء العقد وقبل التفرق من مجلس العقد كالشافعية والحنابلة وبعضهم رخص في تراخي تسليم رأس المال كالمالكية لمدة معلومة وهو وإن كان أخف من سابقه إلا أنه لا يعطي حلولًا عملية أو تيسيرًا ملحوظًا للمتعاملين كما نجده في الفقه الحنفي.

هذا فضلًا عن أن بعض المذاهب الفقهية كالشافعية لم يجيزوا السلم في أمور كثيرة وصلها بعضهم إلى ثلاثين شيئًا. (١) .

ولما رأى أئمة المذاهب الثلاثة هذا العسر والعوائق أمام أنشطة رجال المال وأرباب الأعمال والصنائع إذا ما تقيدوا بعقد السلم وما يحمله هذا العقد في طياته من شروط صعبة في المجال العملي ويشكل تعويقًا لأعمال أهل التجارة والصناعة على السواء. قالوا: لا مانع من أن يبتاع المادة التي يريدها ويستأجر على صنعها، قال الشافعي رحمه اله بعد أن ذكر الأمور التي يصح فيها السلم وشروطها ثم ذكر ما لا يجوز فيه السلم، قال: "وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين ويستأجر على الحذو وعلى خراز الخفين، ولا بأس أن يبتاع منه صحافًا أو قداحًا من نحو معروف وبصفة معروفة ومقدر معروف من الكبر والصغر والعمق والضيق ويشترط أي عمل (٢) .

وكذلك نرى مثل ذلك في الفقه الحنبلي جاء في المغني واختلف في تفسير الشرطين المنهي عنهما، فروي عن أحمد أنهما شرطان صحيحان ليسا من مصلحة العقد، فحكى ابن المنذر عنه وعن إسحاق فيمن اشترى ثوبًا واشترط على البائع خياطته وقصارته أو طعامًا واشترط طحنه وحمله إن اشترطا أحد هذه الأشياء فالبيع جائز. (٣) .

ويورد المالكية خلافًا فيما لو تعاقد المريض والطبيب على أن يداويه مدة معلومة والدواء من الطبيب فقيل: يجوز وقيل: لا يجوز لما فيها من اجتماع الجعل والبيع. وثانيهما: أن يقول له أعاقدك بكذا على علاج هذا المريض حتى يبرأ فإن برئ كان له الجعل وإن لم يبرأ فلا شيء له ويكون الدواء من عند الطبيب فقيل يجوز وقيل لا يجوز لما فيه من الغرر (٤) .

وإن كان في هذا المسلك ما يخفف من شدة وطأة شروط عقد السلم وآثاره إلا أننا نرى في الأسلوب الذي نحاه فقهاء الأحناف مرونة وتيسيرًا لا تتحقق في المذاهب الأخرى.


(١) حاشية الشرقاوي على التحرير ٢/٣٧.
(٢) الأم، للشافعي: ٣/١٣١.
(٣) ٤/٢٠٢.
(٤) الفواكه الدواني: ٢/١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>