للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: يبطل الاستصناع بوفاة أحد المتعاقدين. وهذا أيضا لا خلاف فيه عند الحنفية.

من هنا نرى الفرق بين الاستصناع الذي قال به الحنفية وبين السلم، فالسلم عقد لازم ولا يدخله الخيار ولا بد من تسليم الثمن، ولكن في الاستصناع يجوز أن يسلم الثمن كله أو بعضه أو لا يسلم، ومع هذا وجدنا مجلة الأحكام العدلية تأتي برأي يخالف ما رأيناه في كتب الحنفية، حيث رأت أن الاستصناع فيه الإلزام من بداية التعاقد، يعني بمجرد الإيجاب والقبول يكون هنا إلزام حيث نصت المادة ٣٩٢ على ما يأتي:

" إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع عنه، وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستصنع مخيرًا " يعني التخيير عند عدم توافر المواصفات، ومن الخطأ القول بأن المجلة أخذت برأي أبي يوسف، فقبل العمل وكذلك بعده وقبل أن يراه المستصنع لا خلاف أن العقد غير لازم عند أبي يوسف وغيره، أما المجلة فإنها قالت: إذا قال رجل لواحد من أهل الصنائع: اصنع لي الشيء الفلاني بكذا قرشا وقبل الصانع ذلك انعقد البيع استصناعا بمجرد الإيجاب والقبول.. ولذلك وجدنا الشيخ الجليل فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا يضع تعريفًا يتفق مع ما يراه في هذا العقد لأنه وجد أنه حتى التعريف في المجلة غير كامل فقال في عقد الاستصناع: هو عقد يشترى به في الحال شيء مما يصنع صنعا يلتزم البائع بتقديمه مصنوعا بمواد من عنده بأوصاف معينة وبثمن محدد.

بعد هذا العرض السريع يبقى أن هناك من أيد وهناك من عارض، ولكن بصفة عامة النقل من كتب الحنفية يبين خلاصة ما قلت، ونترك لمن شاء أن يقول رأيه، ولكن قبل أن أترك هذا المكان أحب أن أقول رأيي - من حقي هذا - وهي النتائج والاقتراحات.

أولًا: الاستصناع عند المالكية والشافعية والحنابلة جزء من السلم لا يصح إلَّا بشروطه وهو عند الحنفية عدا زفر عقد مستقل له شروطه وأحكامه الخاصة.

ثانيًا: الشافعية والحنابلة نظروا إلى مادة المصنوع فأجازوا ما كان من جنس واحد واختلفوا فيما يجمع أجناسًا مقصودة تتميز بحيث يعلم العاقدان وزن كل من أجزائه، والراجح الجواز، ولم يجيزوا ما جمع أجناسا مقصودة لا تتميز، والمالكية نظروا إلى تعامل الناس فأجازوه ولم ينظروا إلى مادة المصنوع وإنما إلى المصنوع نفسه سواء كان من جنس واحد أو من أجناس مختلفة، والحنفية - أيضًا - نظروا إلى ما فيه تعامل، فأجازوه استصناعًا غير أنهم أجازوا ما ليس فيه تعامل سلما لا استصناعا، فما ليس فيه تعامل فهو سلم.

ثالثًا: إذا ذكر الأجل في الاستصناع أصبح سلما عند أبي حنيفة، خلافا للصاحبين، وهذا يعني أن رأي الإمام هنا كالسلم في الصناعات عند المالكية.

رابعًا: لعل الأولى النظر إلى تعامل الناس في الصناعات في مختلف العصور والأمصار، وبهذا نرجع ما ذهب إليه الحنفية، المالكية. والعرف بضوابطه الشرعية مصدر يحتج به في الأحكام.

خامسًا: لم نجد ما يجيز رأي الحنفية في جعل الاستصناع بيعًا على غير وجه السلم، وهو معدوم وليس عند البائع، كما أنهم أجمعوا على أنه عقد غير لازم قبل أن يراه المستصنع، وهذا لا يرفع حرجا ولا يحل مشكلة، وعلى الأخص في صناعات العصر التي قد تكون بآلاف الآلاف، ولذلك رأينا مجلة الأحكام العدلية وهي في الفقه الحنفي تجعل الاستصناع عقدًا لازمًا منذ البداية وهذا يخالف إجماع المذهب الحنفي فضلًا عن باقي المذاهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>