للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك أخذت مجلة الأحكام العدلية بهذه الرواية عن أبي يوسف، ونصت في مادتها ٣٩٢ على أنه " إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستصنع مخيرًا ". ويبدو أن المجلة أخذت لزوم العقد من هذا الكتاب (المحيط البرهاني) وهو حجة في المذهب الحنفي وغيره من كتب الحنفية التي صورت الخلاف بهذا الشكل على عكس ما صوره الإمام الكاساني وابن عابدين وجمهرة - مثل ما تفضل الشيخ - من علماء الحنفية، وحقيقة التحرير الذي قام به ابن عابدين والذي وصل إليه، ما وصل إليه الأستاذ الدكتور علي السالوس، من أنه لا يكون لازما، أنا في اعتقادي هذا التحرير الذي قام به ابن عابدين اجتهاد منه في فهم نصوص علماء المذهب الحنفي، وحينئذ يمكن اعتباره طريقة من الطرق، كما هو مصطلح حسب اصطلاح الفقه المذهبي، ولكن لا يمكن اعتباره حسما في المسألة بأنه لا يمكن تصوير هذه المسألة.

هذا حقيقة ما أردت أن أبينه بخصوص ما ذكره أخي الكبير الدكتور علي السالوس لأنه يبدو أنه لم يطلع على هذا الكتاب القيم وهو المحيط البرهاني.

ثم بعد ذلك أنا - في اعتقادي - أرجح جانب اللزوم وهو أنه ليس هناك أي مخالفة أو لا هناك الحرية التعاقدية كما يرجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنا في دراسة الدكتوراه توصلت إلى أن جميع المذاهب تقريبا أو الراجح في جميع المذاهب يرجحون بأن الأصل في العقود الإباحة، فإذا لم يكن العقد مخالفا لأي قاعدة أو لأي نص شرعي فيصبح هذا العقد جائزا أو لازما أو ملزما للطرفين، داخلا في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

وليس باللزوم أن يكون هذا العقد موجودا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في عصر الصحابة والتابعين، بينما كان بالتأكيد موجودًا هذا الاستصناع منذ أن وجدت الصناعات، هذا النوع كان موجودا من الناحية العملية، ولذلك ادعى الحنفية الإجماع الفعلي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا أريد أن أطيل على حضراتكم فالأدلة على لزومية العقد موجودة، وكذلك إذا نحن وصلنا - لا سمح الله - إلى قضية الجواز معناه ألغينا عقد الاستصناع وأصبح عقد الاستصناع بدون فائدة تذكر، وعلى عكس ذلك تجري البنوك الإسلامية كلها بما فيها البنوك التي يشرف عليها فضيلة أخي الدكتور علي السالوس، فليست حجة طبعا لكنه في الحقيقة عرف سائد وعرف جائز ولنا استدلال في ذلك والأدلة على ذلك موجودة في صفحات هذا البحث، وهذا ما أردت أن أعرضه وأشكركم على حسن الاستماع وكذلك أعتذر فيما إذا كنت قد أطلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>