للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ميكافيلي فقد ظهر له كتاب "الأمير" في سنة ١٥١٣م، وجاءت فيه عبارته الشهيرة "لا محل للأخذ بقواعد الأخلاق في أمور الدول"، وهذه العبارة اتخذت قاعدة لدى الأمراء والقواد فاتسمت العلاقات بين الدول بالقسوة والهمجية في حالة الحرب، والخداع والوقيعة في حالة السلم.

ومع أن ميكافيلي توفي سنة ١٥٢٧م فقد ظلت نظرياته وتعاليمه تحظى باهتمام من حكام أوروبا؛ استجابة لمآربهم الشخصية، وقد نجم من ذلك وقوع حروب كثيرة أثارت الفزع والفوضى بين الناس، بيد أنها مع هذه أثارت المفكرين والعلماء لمقاومة تلك التعاليم والنظريات، محاولين إخراج العلاقات الدولية من الفوضى التي كانت تحيط بها.

وتبلورت تلك النزعة المضادة لكتاب ميكافيلي في كتاب "في قانون الحرب والسلم" للعالم الهولندي جروتيوس، وقد ظهر هذا الكتاب في سنة ١٦٢٥م وتضمن تنظيمًا يكاد يكون كاملًا لما قد يكون بين الدول من روابط وعلاقات وامتاز بالدراسة المنطقية المنظمة، وبالنظريات التي لاقت احترامًا وتقديرًا من المفكرين في ذلك العصر. وقد هاجم مؤلفه آراء ميكافيلي ونظرية الرئاسة العليا في الشؤون الدينية التي كانت للبابا.

ولأهمية هذا الكتاب وأثره في العلاقات الدولية التزمته الدول دستورًا لعلاقاتها الخارجية مدى قرنين من الزمان، واعتبر مؤلفه أبا القانون الدولي، وارتبط اسم جروتيوس بنشأة هذا العلم لدى فقهاء هذا القانون الغربيين.

وفي سنة ١٦٤٨م وقعت معاهدة وستنغاليا التي يؤرخ الأوروبيون فيها بدء العصر الحديث للقانون الدولي؛ لأنها وضعت آراء جروتيوس موضع التنفيذ الفعلي بين الدول، ولكن ظروفًا شتى جدت بعد هذه المعاهدة ساعدت على نمو القانون الدولي، وانفساح مجاله، فذاعت مبادئه وتأكدت ضرورة وجوده، ورسخت في حكم علاقات الدول قواعده (١) , ومن ذلك ظهور عدة دول جديدة بعد الثورة الفرنسية في سنة ١٧٨٩م بسبب انتشار الحركات القومية، واستقلال كثير من الشعوب الأوروبية خلال القرن التاسع عشر، وقد ترتب على ذلك أن أصبحت العائلة الدولية تنظم عددًا كثيرًا من الدول المستقلة المتساوية، لكل منها سيادتها وجيوشها وأساطيلها مما دعا إلى ازدياد الشعور بالحاجة إلى إيجاد قواعد خاصة بتنظيم علاقات الدول في وقت السلم والحرب.

وأدت كثرة استقلال الدول والحاجة إلى قانون ينظم علاقاتها إلى عقد مؤتمرات دولية من أجل تنظيم قواعد قانونية وتدوينها في اتفاقيات دولية كما حدث في مؤتمر جنيف في سنة ١٨٦٤م الذي وضع قواعد الحرب البرية، وفي مؤتمر لاهاي المنعقد في سنتي ١٨٨٩م، ١٩٠٧م الذي توصل إلى وضع ست عشرة اتفاقية دولية في مختلف المسائل ومنها حقوق الأسرى، هذا بالإضافة إلى بعض المعاهدات التي نظمت حقوق المحايدين وواجباتهم مثل معاهدة باريس المنعقدة في سنة ١٨٥٦م (٢) .


(١) الشريعة الإسلامية والقانون الدولي: ص ٤٩، وانظر القانون الدولي العام، للدكتور سامي جنينة: ص ٦٣، طبعة الاعتماد، القاهرة
(٢) القانون الدولي العام، للدكتور سامي جنينة: ص ٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>