للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

السلام في الإسلام

مفهوم السلام:

السلام مبدأ من المبادئ التي عنى بها الإسلام عناية واضحة في اسمه الدال عليه، وفي مضمونه وما يدعو إليه، فالإسلام والسلام يشتركان في مادة "سلم" وهي مادة تعني في اللغة الخلوص والنجاة من الآفات، وتعني الصلح (١) ، وهذه المادة مثل مادة "أمن" وزنًا ومعنى، وما يتضمن هذا من سكون القلب (٢) ، والطمأنينة والسكينة.

من أجل هذا وجدنا احتفاء الإسلام بالسلام، وما يشيعه في النفس الإنسانية في الأسرة البشرية من معاني المودة والرحمة، ووجدنا تعميق الإسلام لهذا المبدأ المحقق لهذه المعاني في توجيهات القرآن الكريم وفيما وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم واعتبار هذا المبدأ أصل العلاقات البشرية فعليه تقوم، وإن ابتعدت عنه تصارعت، ولا بد من إزالة أسباب الصراع للعودة إليه تحقيقًا للأمن وإرساء للطمأنينة، وهذا معنى الصلح الذي تدل عليه المادة "سلم".

فأما تقرير السلام لهذا المبدأ وتعميقه وإزالة ما يعكر صفوه فنجده في الكتاب والسنة على ما يلي:

أولًا: الدين الذي ارتضاه الله لنا جعل عنوانه من مادة السلام فسماه الإسلام قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٣) .

ثانيًا: والله سبحانه الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينًا من أسمائه الحسنى السلام. قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (٤) .

ثالثًا: وإذا كان السلام ـ كما مر بنا في بيان مفهومه ـ قرين الأمن والسكينة والطمأنينة، وأن هذه المعاني قرينة الرحمة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصف بأنه للعالمين رحمة مهداة فيقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٥) .

ويقول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (٦) .

رابعًا: وإذا كان هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أمته فإن الله تعالى جعل مفتاح المعاملات بين الناس، وبداية العلاقات واللقاءات فيما بينهم في لفظة السلام فتحية الإسلام السلام.


(١) انظر المصباح المنير: ص ٢٨٧؛ ومختار الصحاح: ص ٣١١
(٢) انظر المصباح: ص ٢٤
(٣) سورة المائدة: الآية ٣
(٤) سورة الحشر: الآية ٢٣
(٥) سورة الأنبياء: الآية ١٠٧
(٦) سورة آل عمران: الآية ١٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>